اختزال الحلّ السوري في اللّجنة الدستورية مناورة
ادريس هاني
تواصل سوريا الإطاحة بعناصر المؤامرة وبكل المناورات الجارية في الميدان وفي أروقة السياسة الدولية، وتلك قرينة على أنّ سوريا نهجت منذ الوهلة الأولى مقاربة شمولية للأزمة تتعدّى الخيار الأمني الذي تدرّج بحسب تطور أدوات العنف والإرهاب. وكانت القمة الثلاثية محطّة ناجحة بكل المعايير لأنّها جاءت في وقتها على الرغم من التلويحات التي باشرها المبعوث الأمريكي لسوريا جيمس جيفري الداعي إلى إنهاء سوتشي وآستانة في حال لم تتم عملية التوافق على اللجنة الدستورية، هذا في حين أبرزت الثلاثية من خلال البيان الختام على تعيين أعضاء اللجنة مما فوّت الفرصة على أي مناورة سياسية جديدة، وقد اعتبرت واشنطن بحسب ما أفاده جيفيري في مؤتمر صحفي بالخارجية الأمريكية بأنّ الولايات المتحدة تنتظر ما سيقدمه دي ميستورا من إفادات في مجلس الأمن للتحقق من تقدم العملية السياسية. وبالفعل لقد جاءت أراء ديميستورا في المؤتمر الصحفي على هامش الإفادة مخيبة للآمال حين أكد المبعوث الأممي إلى سوريا على عجزه عن توحيد رأي المعارضة، لكن في الحقيقة هذه الإفادة لم تكن تعني أكثر المجموعة التي حاولت تمرير مشروع وضع إدلب، أعني كل من بلجيكا وألمانيا والكويت الذي واجهته كلّ من روسيا والصين بالفيتو. هذا يعني أنّ اللعب والمناورة تجريان على المستوى القانوني والسياسي والعسكري هدفه ليس الإسراع في وضع حدّ للتوتر بل العمل على مزيد من التعقيد لإطالة عمر الأزمة إلى حين حلّ سائر تعقيدات المنطقة وهو أمر ترفضه دمشق وحلفائها الذين باتوا مصممين على تحرير إدلب وشمال غرب سوريا من بقايا الإرهاب. تدرك دمشق وحلفاؤها أنّ ما يجري على الجبهة القانونية والسياسية هو مجرد مناورات، ومن هنا العمل يتبع طرق وممرات متشابكة يتداخل فيها ما هو معلن وما هو غير معلن في هذه المعركة.
وفي خضم هذه المناورات هناك شيء وجب التأكيد عليه هنا ألا وهو استبعاد كل الخيارات غير السياسية المطروحة للحلّ، فالخيار العسكري ضدّ سوريا بات جزء من التّاريخ بينما كان من الطبيعي أنّ المعارضة التي كانت تراهن على التدخل العسكري لن تلتئم وستكشف على أنّها تعاني مما سمّاه برهان غليون في آخر كتاب له يوثّق فيه لعطب الذّات، فهي معارضة معطوبة لأنها نشأت في سياق التآمر على الكيان السوري وهي حين أصبحت جزءا من هذا المخطّط إنّما حكمت على نفسها بالموت. وبالفعل إن حديث برهان غليون عن موت المعارضة السورية هو اعتراف من رئيس سابق للمجلس الوطني السوري، الذي يتألّف من معارضة الخارج. فالإحباط الذي أصاب أطياف المعارضة المتناقضة ناتج عن اليأس من عدم التدخل العسكري وليس من الخطوات السياسية.
إنّ حديث جيفري الاستعجالي مغالطة سياسية لأنّ الجزء الأكبر من التعقيد هو نتيجة إدارة الملف السوري بالأزمة، أي أنّ التأزيم جاء نتيجة فشل مخطط خارجي للإطاحة بسوريا، ولذلك تمّ إنشاء ما كانوا ولا زالوا يسمونه بالمعارضة المسلّحة التي هي الجناح العسكري الذي أنشئ لدعم الإئتلاف قبل أن يدبّ التناقض بين الفصائل المقاتلة من جهة والفصائل السياسية في الخارج من جهة أخرى، وكان ذلك نتيجة المناورات التي قامت بها سوريا وحلفاؤها، لأنّ الاستعجال بالحلّ على الطريقة الأمريكية كان مفارقة في هذا المسار الملتبس لأنّها فجّرت ورقة الأكراد في شرق الفرات مما انتهى بتأزيم المسار على الجهة التركية، لا سيما بعد مساعدة وحدات حماية الشعب بالسلاح.
لقد أصبح الخطاب يتشكل من مطلبين اثنين: تعيين اللجنة الدستورية ووقف إطلاق النار في إدلب، وكلاهما مطلبان إشكاليان من شأنهما تعزيز الاختلاف، لأنّ الحل في سوريا أكبر من مغالطة تضخيم العناصر الثانوية في مسار الحلّ. وسنجد دائما تركيزا منهجيا على النقطتين وهو تركيز يعقد الأمر ولا يستعجل حلّه. ليس إيجاد توافق بين المعارضة المتناقضة مسؤولية سوريا، كما أنّ قضية إيقاف إطلاق النار يمنح الإرهابيين فرصة الاستيطان والتهديد الدائم لسوريا.
يتحدث جيفري ويقف عند الإحباط الذي أصاب دي ميستورا، ويعتبر مسار سوتشي وآستانا مخرجا بعد 6 سنوات من الانسداد، لكن هذا الانسداد الذي تحدث عنه المبعوث الأمريكي ناتج عن مناورات لتعقيد الحل في سوريا، حيث الحل اليوم لا يمكن اختزاله في اللجنة الدستورية في نظري، علما أنّ قضية اللجنة قضية سياسية فحسب وإلاّ فالدستور يكتبه الشعب والنخبة التي تمثّل الشعب ولا يكتب خارج منطق السيادة السورية، بل إنّ المعارضة نفسها في الخارج تعتبر أن قضية اللجنة الدستورية لا قيمة لها ولا يمكن اختزال الحلّ فيها، لأنّ المعارضة راهنت دائما على التدخل الخارجي، وإذن باتت قضية اللجنة لها صلة بجهات خارجية تريد من خلال المحاصصة وكوطة الأمم المتحدة لاختيار 50 عضوا في اللجنة وتقسيم المائة الأخرى بالسوية بين النظام والمعارضات أن تخترق أسمى وثيقة سيادية في سوريا، لكن دمشق واعية كما حلفاؤها، وهم يدركون كل المناورات التي تجري في أكثر من مستوى لجعل المخرج ملتبسا وتحقيق انتصارات غير مباشرة في حين أنّ سوريا وقد انتصرت لا يمكنها أن تجعل كتابة الدستور شأنا خارج سيادتها ولكنها المرونة السورية التي استطاعت أن تطيح بكافة المؤامرات وتصيبها بالإحباط من خلال سياسة الباب المسدود.