المصير المحتوم
في تصريح لا يخلو من لغة الاستجداء بصيغة التهديد والوعيد دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكومات الأوروبية لاستعادة مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم «داعش» الإرهابي في سورية والعراق قبل أن يتم إطلاق سراحهم على حدود بلدانهم.
قد يستشف البعض من هذا الطلب الأميركي أن واشنطن تحارب الإرهاب ولكن الحقيقة أن هؤلاء الإرهابيين الذين جاءت بهم واشنطن وحلفاؤها إلى العراق وسورية انتهى دورهم كأدوات لأن معظمهم مصاب ومريض وهزيل الجسم ولم يعد وجودهم مجد في الاستثمار الأميركي بالإرهاب.
أغلبية الدول الغربية وفي مقدمتها المنخرطة في المحور الداعم للإرهاب تعي حقيقة انتفاء وجود هؤلاء الإرهابيين في التشكيلات التي لا تزال تحظى بالرعاية والدعم الأميركي وأن لا جدوى من نقلهم إلى أماكن أخرى كما تفعل الاستخبارات الأميركية مع غيرهم ممن ينقلون إلى أفغانستان واليمن وليبيا ونيجيريا وهي تتهرب من مسؤولية استعادتهم القانونية والسياسية.
يعيد ترامب دعوته الحكومات الأوروبية إلى استعادة إرهابييها إلى عدم قدرة بلاده على تحمل عبء تكاليف اعتقالهم التي تقدر بـ «مليارات الدولارات» حسب قوله و في ذلك زيف كبير لأن إدارته تمول الميليشيات الانفصالية الكردية وتنشئ قواعد بمليارات الدولارات في العراق وسورية حتى اليوم.
التحليل المنطقي لمبتغى ترامب يفضي إلى سعيه لابتزاز الحكومات الغربية التي لم تعد ترى جدوى في الحرب الإرهابية على سورية والعراق، ويخيرها بين استعادة الإرهابيين من مواطنيها أو التكفل بالعناية الغذائية والطبية لهم في المعتقلات الأميركية، ولو كان ترامب جدياً في دعوته لعمل على استعادة حكومته للإرهابيين من الجنسية الأميركية أولاً وهذا يشير بوضوح إلى المصير المحتوم لهم.
ففي تقرير تلفزيوني بثته قناة «سي بي إس» الأميركية قبل أيام من داخل سجن يضم المئات من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي أغلبهم مصاب أو مريض أو هزيل الجسم بين التقرير أن بعضهم من الجنسية الأميركية الأمر الذي يوضح مغزى وهدف الرئيس الأميركي من إثارته لهذا الموضوع بوجه الحكومات الأوروبية.
لا شك أنه وفقاً للقانون الدولي على كل الحكومات أن تستعيد الإرهابيين من جنسياتها ومحاكمتهم على أراضيها وتحمل المسؤولية القانونية والمادية عن جرائمهم، وهذا العمل يختلف تماماً عما تسعى إليه الولايات المتحدة التي تعمل على استقدام المزيد من الإرهابيين والمرتزقة إلى المنطقة لإشعال حروب وتوترات جديدة.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتخلص أو تتخلى فيها الدول الراعية للإرهاب عن أدواتها وأجرائها ومرتزقتها عندما يفقدون ميزة التشغيل، وهذا التخلي يبدأ بالقتل أو التصفية وينتهي بالاعتقال أو الابتزاز بإعادة التشغيل في مناطق أخرى.
إن دعوة ترامب الحكومات الأوروبية فقط لاستعادة مواطنيها الإرهابيين دليل أكيد على قيام الاستخبارات الأميركية بتصفية الباقي من الجنسيات الأخرى التي رفضت بلادهم استعادتهم لقناعتها بعدم جدوى حثها على فعل ذلك أو إمكانية دفع تكاليف سجنهم في أماكن اعتقالهم الحالية.
يحاول الرئيس الأميركي الإيحاء أن خطوات إدارته لإغلاق معتقلات الإرهابيين تمهد لسحب القوات الأميركية من سورية ولكن قيامها بتزويد الميليشيات الكردية بالأسلحة والمعدات والعربات يعطي انطباعاً مخالفاً لذلك تماماً و القرار بسحب هذه القوات يبقى حبراً على ورق إلى أن يغادر آخر جندي أميركي الأراضي السورية والعراقية.
أحمد ضوا