تمثال مدخل قناة السويس: عبد الناصر أم ديلسبس؟
د. جمال زهران
لاشك أنه في الذكرى الـ (49) لوفاة الزعيم جمال عبد الناصر، الذي أمم قناة السويس وأعادها إلى الشعب المصري بقرار يكشف عن انحيازات ومعارك الثورة الأم وهي ثورة 23 يوليو 1952م، يتداعى السؤال باستمرار، ألا يحق لهذا الزعيم أن يخلد بتمثال في مدخل قناة السويس على القاعدة الخالية في بورسعيد عند التقاء البحرين الأحمر بالأبيض؟ ومن سيئات القدر أن يخرج علينا بين فترة وأخرى، نفر من الناس مدفوعين بأهداف متنوعة ومعروفة الولاءات سلفًا، بأن قاعدة التمثال الخالية في بورسعيد عند مدخل قناة السويس، هي من حق “ديلسبس”، ذلك الدجال والنصاب المحكوم عليه بأحكام قطعية تدينه، ولولا وفاته لنفذ الحكم ومات في السجن!!
هؤلاء الذين يخرجون علينا، هم على صلة مباشرة بجمعية أصدقاء “ديلسبس” في باريس، وهي الجمعية التي تسعى إلى أحياء ذكرى هذا النصاب، ويجمعون الأموال من يهود باريس ورجال الأعمال، لكي يدفعوها لكل من يساعدهم سواء في مراكز السلطة أو الإعلام، لممارسة نشاطات داخل فرنسا وخارجها وخاصة في مصر. حيث أن الجمعية تسعى إلى إعادة تمثال ديلسبس في القاعدة الخالية، وتقوم باتصالات على أعلى المستويات لتنفيذ مآربها أو تنفق في سبيل ذلك الملايين من الدولارات. ويأتي “نفر” من ممثلي هذه الجمعية بين فترة وأخرى، ويستقبلهم مسئولون رسميون في بورسعيد وفي هيئة قناة السويس، على أعلى مستوى، للدعوة إلى إعادة التمثال إلى القاعدة الخالية في مدخل قناة السويس!! ونفاجئ عقب كل زيارة لممثلي هذه الجمعية، وبعد اللقاءات المتعددة رسمية وغير الرسمية، بارتفاع أصوات ممن لا يمثلون شعب بورسعيد الحقيقي، بل وشعب مصر الحقيقي أيضًا، تنادي بعودة تمثال “ديلسبس”!!
وللأجيال الجديدة التي لا تعرف الكثير عن هذه القاعدة الخالية التي كان يعتليها تمثال ديلسبس النصاب، والذي وضع عنوة، ووضع لتأكيد ملكية الشركة الفرنسية لقناة السويس، أن هناك التمثال ثم تفجيره وإنزاله عقب قرار الزعيم جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وأصبحت الشركة المالكة لقناة السويس شركة مصرية 100%، وتعويض أصحاب الأسهم في الشركة التي كانت قائمة قبل التأميم. فقام المناضلون بزعامة ابن بورسعيد (عسران)، بالتوجه نحو التمثال وتفجيره، وأصبحت القاعدة الخالية منذ عام 1956 حتى الآن، مثار تساؤلات بين حين وآخر، لمن هذه القاعدة إذن؟! هل بعودة تمثال ديلسبس النصاب، ومن يتاجرون به، ومن هم وراءه؟! أم بوضع تمثال لمن حرر هذه القناة وأهمها لصالح الشعب المصري من يد الاستعمار الفرنسي والإنجليزي معًا؟
الأمر حد خطير، يتعلق بالكرامة الوطنية والاستقلال، ونبذ التبعية وقد قامت الكاتبة الوطنية بورسعيدية الأصل/ سكينة فؤاد، بكتابة عدة مقالات في هذه الصفحة بالأهرام، ترفض فيها عودة تمثال ديلسبس النصاب والدجال، والمطالبة بوضع تمثال عبد الناصر.
ومن جانبي أزكى دعوة الكاتبة الكبيرة، وأثني عليها بل وأؤكد على ذلك ومن الغريب والفاضح، أن يتبنى محافظ بورسعيد، الدعوة لعودة التمثال الأمر الذي أغضب شعب بورسعيد، فضلاً عن أنه قد تم ترميم تمثال ديلسبس. الذي كان حطامًا داخل مخازن هيئة قناة السويس!! فمن سمح لممثلي الجمعية الفرنسية المشبوهة، بإحضار مرمجين، وادخالهم مخازن الهيئة، لإنجاز ذلك، ثم مساعدتهم على نشر دعواهم بإعادة التمثال؟! ولمن يعمل هؤلاء؟! وأهداف هؤلاء من وراء الفعل الإجرامي؟! وما هي مصلحتهم؟! وهل اختفت مشاعر الوطنية والكرامة، وكأن كل القيم تباع وتشترى؟!
يحضرني من خلال المتابعة الجادة والكثيفة والتفصيلية، بأن شريحة من “الشباب” البورسعيدي، رفض هذه الدعوات، وتعرضوا لتنكيل من هنا وهناك، وقاموا برفع دعاوي قضائية ضد عودة التمثال المشبوه، وتمت مساندتهم من جمهور بورسعيد المثقف ومثقفي مصر في القاهرة والمحافظات المجاورة لبورسعيد العظيمة، والجميل أن الرافضين في هذه المرة من شباب بورسعيد الوطني، الذي لم ينال منه محاولات تزييف الوعي وتجريفه، ورفض غرس قيم السلبية والتبعية للاستعمار. لقد أمضيت هذا العام، ثلاثين سنة في جامعة قناة السويس وبورسعيد، في خدمة شعب بورسعيد وإقليم القناة والمحافظات المجاورة، ولن أتوانى في الدفاع عن قضايا هذا الإقليم الحر المقاوم. ولن ينسى الشعب المصري المقاومة الشعبية لأبناء بورسعيد في مواجهة العدوان الثلاثي الغاشم (الفرنسي/ الإنجليزي/ الإسرائيلي)، عقب قرار الزعيم عبد الناصر بتأميم القناة، وأجبرهم على أن يعودوا من حيث أتوا، يجرون أذيال الهزيمة المنكرة، لتتولد إرادة شعب مصر.
وختامًا/ فإنه بذات القدر الذي أرفض عودة تمثال ديلسبس المشبوه، أدعو إلى وضع تمثال جمال عبد الناصر على قاعدة التمثال الخالية، ليكون رمزًا لإرادة شعب مصر الحرة، وفي نهاية القناة عند السويس (المدخل الجنوبي)، يوضع تمثال “الفلاح المصري” الذي حفر قناة السويس، وضحى بـ (100) ألف شهيد،
د. جمال زهـران