بين بغداد وبيروت مقاومة وانتصارات وفساد وفقر وحراك شعبي!
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
كثيرةٌ جدّاً الجوامع التي تتقاطع فيها خاصيات وحراك بيروت وبغداد منذ قديم الأزمنة، ولهذا اعتُبِرَتا زاويتي المثلث الذهبي لصناعة مستقبل الإنسانية وقرّر التاريخ أنّ أيّ وكلّ امبراطورية تهزم في واحدة منهما تغرب شمسها، وكلّ من انتصر فيهما صعد وتحوّل إلى الإقليميّة أو العالميّة.
وفي جديدهما، أنّ أمريكا وهي امبراطورية متفرّدة وعاتية هزمت في بيروت وهزمت في بغداد، ولهذا تنكفئ وتنسحب وتضطرب بنيتها وتهددها النزاعات والحروب الاهلية وربما ما هو أكثر.
وبينهما سرّ مقاومةٍ وكفاحٍ ونضالٍ ثوريّ، فالمقاومة اللبنانية أنجزت تحريرين: تحرير الأرض من المغتصب الصهيوني دون قيد أو شرط، وتحرير الجرود من الإرهاب المتوحش صنيعة أمريكا و”إسرائيل”، وبغداد أيضا قاتلت بكفاحيّة هائلة وهزمت الأمريكي وهزمت الإرهاب المتوحش…
على الضفة الأخرى فقد ابتليت بيروت بنظام محاصصة طائفية ومذهبية اختصر بمحاصصة بين عائلات وزعامات، وبغداد بعد الاحتلال الأمريكي ابتليت بذات الداء وتحول نظامها الى محاصصة طوائف ومذاهب وزعماء، والنظامان يمثلان المصنع النموذجي للفساد والنهب والهدر وتجويع الناس ومراكمة الأموال في خزائن الزعماء والعائلات النافذة، وكلا البلدين تحول الى مسرح وساحة صراع إقليمي ودولي لا حول ولا قوة لأهله ولا إرادة لهم في تقرير مصيرهم وشؤونهم وحياتهم.
في بغداد بلغ الفقر والحرمان والامراض والنهب مبلغا لم يسبق لنموذجه، وانتفضت بغداد مرّة بعد مرّة وظل ناسها في الشوارع والساحات منذ 2011، واستمرت تغدق الوعود بلا تنفيذ وبلا نتائج عملية ملموسة، وتراجعت كل الخدمات، وبات الناس يشربون ماءً مسموماً وهواءً ملوّثاً وبلا مدارس ولا مشافي ولا فرص عمل ولا زارعة ولا صناعة، فقط نفط ينهبه الأمريكي وأدواته ويتقاسمه زعماء المذاهب والطوائف، ولم تفلح لا انتخابات ولا مطالبات ولا رجاءات في تحسين الحال، ولم يعد أمام الناس إلا الانتفاض وتقديم الاضاحي والحراك مهما كان الثمن، فالانهيار وصفةٌ وحيدةٌ للطبقة السياسية والنظام السياسي الذي فقد كل مشروعيته وانكشف على عطب تاريخي في دستور ونظام المحاصصة – التقليد السيء للنموذج اللبناني الذي كان وباء لبنان منذ مائة سنة وولّد الحروب والأزمات ولا يزال.
وفي بيروت خطر انهيار دراماتيكي وتهديد من السلطة والزعماء بالقمع والارهاب وكمّ الأفواه، والحراك الشعبيّ يعتمل ولن تقوى قوةٌ في الكون على وقفه، فالجائعون غالبية والعاطلون عن العمل شباب والاسعار وسعر الدولار يحلّق ولا من يوقفه أو يملك أدوات ضبطه ووقفه، والزعماء والطوائف يتاجرون ولا يوفّرون الحاجات.
واللافت أنّه في البلدين وبرغم أنّ المقاومات هي من حرّر، ومن أسقط الاحتلالات المولّدة للفساد وبيئاته، وبرغم أنّ المقاومات هي من كسرت الإرهاب المتوحش وريث الاحتلالات وأدواتها في أبشع صور الفساد، إلّا أنّ الحراك والانتفاض ما زال ينتقص منه أن موقف المقاومات إمّا ضبابيّ أو على الحياد أو تحاول آلة الاعلام الأمريكية القوية وأدواتها تحميل المقاومات وقوى إسنادها الإقليمية المسؤولية عما بلغته البلاد من إفقار وأزمات، بينما الواجب والمحقّ أن يتحوّل الحراك الاجتماعي ويصوّب ضد الاحتلالات وأدواتها المسؤولة عن التدمير والتخلف والفساد والنهب وليست المقاومة وقوى إسنادها ودعمها، والامريكي ما زال حاكما في لبنان وفي العراق من خلال مصالحه ووجوده وتدخلاته ومن خلال أدواته وعملائه وهم من ابتلوا البلاد بالفقر والحرمان.
ربما بات على المقاومات التي أعجزت وهزمت أمريكا وأدواتها وحلفاءها وتشكّل محورا صاعدا أن تتحوّل الى الاهتمام بالشعب وبالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأن تمتلك برامجها الوطنية والاجتماعية والسياسية لتمسك بالقيادة مرة ثانية أو سيفلت الزمن منها ومن الشارع – شارعها وشعبها – وتزداد المعاناة مع احتمالات الفوضى وعودة الارهاب والاحتكام الى السلاح…
المقاومة التي حررت وانتصرت تستطيع ان تقود وان تقدم برامج النهوض واعادة البناء والتمكن والعدالة الاجتماعية، ومطلوب منها مكافأة شعوبها بتأمينها وبتحقيق حاجاتها المادية والروحية…
الزمن حاسم وخطواته قاسية ولن ينجو إلّا من عمل في صالح الناس وقادهم الى مستقبلهم المنير…