لبنان بين انتفاضة شعب ومحاولةٍ أخيرةٍ للطبقة السياسية!
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
وأخيراً انفجر الشارع اللبنانيّ برمّته وقدّم صورةً راقيةً في حراكه وانتفاضته عكست كلّ ما كان سائداً، فالعلب الطائفية والمذهبية والمناطقية تكسّرت وتوحّد اللبنانيون من كلّ الأطياف على هتاف ترحيل النظام، وانتهى تفرّد العائلات التقليدية والزعامات والميليشيات بسوق الناس كالقطعان وربما إلى الأبد.
فالجوع والفقر أقوى من إغراءاتهم ومن أكاذيبهم ومناوراتهم وتصوير صراعاتهم على الحصص والمكاسب وكأنها مطالب طوائف ومذاهب ومناطق..
بأربعة أيامٍ غيّرت وقائع الساحات وما شهدته الصورة النمطية عن الشعب اللبناني، وتميّزت بزخمٍ شبابيٍّ طاغٍ وعكست درجةً عاليةً من الوعي السياسي والاجتماعي، وعكس الإعلام تفاصيل المعاناة الجماعية والفردية، ورويت قصصٌ وحالاتٌ تقشعرّ لها الأبدان وتفضح حقيقة ما كان مخفيّاً تحت سطح المناكفات والصراعات الشكليّة والإعلامية بين أركان الفساد والإفساد والهدر..
هدير الميادين والساحات والشوارع التي ضجّت بالأغاني الوطنية وبالهتافات، وحّد لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ولم تبقَ منطقة نائمة أو مترهلة، ومن عكار إلى النبطية وصور وبعلبك وفي كل نواحي وبلدات جبل لبنان وأقضيته ومدنه شبابٌ وشاباتٌ تحت علم واحد…
ما جرى ويجري ليس أمراً عابراً ولا هو هبّةٌ عفويةٌ عابرة، إنما هو انتفاضٌ ضدّ نظام محاصصة حمى وأمّن الفاسدين حتى نهبوا كل شيء ولم يبق ما يستطيعون نهبه إلا حياة اللبنانيين وشبابهم…
غير أنّ الصورة الجميلة الواعدة تمثّل جانباً من الحالة، والجانب الآخر مليءٌ بالمخاطر والسلبيات، فالشارع بلا قيادةٍ وبلا تنظيمٍ محكمٍ وبلا شعاراتٍ واضحة، وكلٌّ يغني على ليلاه، وقد انفلت بعض زعران الشوارع على التكسير والسرقات وإطلاق النار على المتظاهرين والاعتداء على بعض المؤسسات الخاصة والعامة وحرقها، وهي لم تشكل سوى استثناءات لا تذكر أمام الصورة الشاملة…
واليوم، فإنّ من المهم استمرار الاعتصامات في الساحات حتى تحقيق كل المطالب الإصلاحية المحقّة… إلّا أنّ من الضروريّ التوقف عن قطع الشوارع الذي من شأنه الإمعان في تعطيل وضرب الحالة الاقتصادية المنهارة أساساً، كما أن من المهم التأكيد على الإبقاء على حالة التظاهر الراقي والسلمي والذي لا يعطل الحياة الاجتماعية والاقتصادية للناس، ولهم في ثوار الجزائر أسوةٌ حسنةٌ والذين لا يزالون يتظاهرون منذ 39 أسبوع كل يوم جمعة فيما تسير حياة الناس بشكل طبيعي وهم يحققون عدداً كبيراً من المطالب الإصلاحية والحياتية بشكل تدريجي كما استطاعوا بسلميّتهم وحضاريّة حراكهم وضع الكثير من الفاسدين في السجون واستعادة الأموال المنهوبة.
أما الطبقة السياسيّة، فعلى الرغم من تفككها وصراعاتها ومحاولات بعضها الهروب من الحكومة لمحاولة ركوب الشارع بوهم إمكانيّة تبييض صفحاتهم السوداء للعودة إلى السلطة للمزيد من النهب والبلطجة، فما زالت كتلة الحكومة الأساسية موحّدة وتحاول تحت الضغط الشعبي وبعد كلمة سماحة السيد الأخيرة التي أكد من خلالها على شرعية الحراك ودعمه له، داعياً الحكومة الى إجراء الإصلاحات التي تعيد للناس حقوقها، موجها إنذارا للحكومة بحال عدم تحقيق مطالب الحراك المحقة، فسيكون رد الحزب النزول الى الشارع، الامر الذي شكل ورقة ضغط داعمة للحراك بوجه الحكومة، فارضةً عليها العمل لإخراج ورقة إصلاحية حقيقية وآليات فعالة وعملية يتم البدء فيها فوراً وإلا فمن الممكن للحراك أن يأخذ مسار الفوضى والذي لا يخدم إلا أعداء لبنان…
ويبقى التأكيد على أنّ من الأهم في المرحلة المقبلة الاستفادة من هذا الحراك اللاطائفي واللامذهبي واللامناطقي، وأن تكون الخطوة القادمة التي يجب أن تتبع تنفيذ الاصلاحات إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي على أساس النسبية ولبنان دائرة واحدة، وانتخاب مجلس شيوخ على أساس طائفي تطبيقاً لاتفاق الطائف…
وبعد الاستماع لكلمة رئيس الحكومة اللبنانية التي تضمنت حديثه عن الاصلاحات الاساسية، يبدو أن عددا من البنود الاساسية بحاجة للمتابعة الامر الذي يفرض البقاء في الساحات كورقة ضغط على الحكومة لانجاز كل الاصلاحات المطلوبة، كما يجب ان تبقى هذه الاعتصامات على سلميتها وحضاريتها بعيدا عن اغلاق الشوارع وتعطيل الحياة الاقتصادية المتردية، وكما سبق وذكرنا فمن الممكن للحفاظ على استمرارية الحراك دون المساس بالدورة الانتاجية الطبيعية، أن يتم اعتماد الاعتصام الأسبوعي كما في الحالة الجزائرية التي تستمر بتحقيق أهدافها يوماً بعد يوم.
أيام بيروت واعدةٌ برغم أنّها حبلى بالتطورات وكل الاحتمالات ومنها في حال لم تنفذ الحكومة الإصلاحات المتبناة أو لم يقبل بها الناس، فالفوضى والانفلات ودور السفارات وبعض الفضائيات المأجورة وقوى الردّة… بيد أنّ الأمر الجديد أنّ الناس قرروا الانتفاض والتوحّد تحت علمٍ واحدٍ، وبوعيٍ كافٍ يمنع الانزلاق الى ما يصبو إليه أعداء لبنان والأمة…