انسحاب أمريكي.. وعدوان تركي.. وانتصار سوري..
د. جمال زهران
خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، شهدت الساحة السورية تطورات مهمة أدت إلى حدوث نقلة نوعية في الأزمة السورية، وقادت إلى آفاق جديدة. فقد أعلن الرئيس الأمريكي (ترامب)، قراره بانسحاب أمريكي كامل ونهائي للقوات الأمريكية من الأراضي السورية والتي كانت موجودة بكثافة في الشمال الشرقي (منطقة الرقة، وما حولها)، وذلك امتداد لقرار أمريكي بالانسحاب منذ أكثر من عام لكنه تعرض للتراجع والتردد عند التنفيذ. إلا أن هذه المرة كان ترامب حاسمًا ومصرًا على الانسحاب النهائي، وتحريك القوات إلى أراضي عربية أخرى هي السعودية كما أعلن مقابل الحصول على أموال جديدة تضخ في الاقتصاد الأمريكي. وقد أوضح ترامب أن وراء قراره هو اكتشافه أن وجود قواته لم يعد له أهمية، وأن يرى أن هناك أطراف لا تستحق دعم ومساندة القوات الأمريكية لها، ولا تقارن مطلقًا بحجم الخسائر المادية والبشرية. وحرصًا من ترامب على الحفاظ على ماء وجهه، طلب إلى الرئيس التركي (أردوغان)، للقيام بعملية عسكرية للقضاء على أكراد سوريا، و “تأديب قوات سوريا الديموقراطية (قسد) دون إيضاح الأسباب، الله إلا محاولة تنفيذ ما سبق أن اتفقت فيه أمريكا مع تركيا على إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية من الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي، تضم اللاجئين السوريين في تركيا، وكذلك الأتراك السوريين الموالين للأتراك والأمريكان، تفاديًا لاتهام أمريكا بأنها باعت أتباعها وعملائها!!. إلا أن قوات سوريا الديموقراطية التي كونتها ودعمتها أمريكا ومولتها دول إقليمية، لم تكن تدرك أن أمريكا يمكن أن تتخلى عنها وتتركها في مهب الريح وللظروف، في مشهد غير مسبوق وبلا مبررات واضحة!!
ثم بدأ العدوان التركي، وسط رفض أوروبي واضح، واستهجان عربي على استحياء، ورفض من مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، ورفض إيراني، ورفض من الجامعة العربية، وفي ذات الوقت كان الصمت الروسي والسوري لحين بدء الهجوم والترتيب لإفشاله. إلا أن الأكراد في العموم، وكذلك قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وجدوا أنفسهم في مواجهة مع القوات التركية بلا غطاء أو حماية، الأمر الذي قادهم إلى الخيارات المتوقعة وهي الاستنجاد بالدولة الأم وهي سوريا، وكذلك روسيا الدولة العظمى المنافسة للولايات المتحدة التي تخلت عنهم وباعتهم للأتراك. وكانت النتيجة تحركات للجيش السوري بغطاء روسي، تمكنت على أثرها من السيطرة على محافظة “الرقة” كاملة بكل ما فيها ومواردها وكذلك السيطرة على منطقة الشمال الشرقي كاملة ومنع القوات التركية من التقدم. كما أعلنت القوات السورية أنها في طريقها لاستكمال تحرير باقي الأراضي السورية واحتواء أكراد سوريا واحتواء قوات سوريا الديموقراطية بحيث يصبحون جزءًا لا يتجزأ من الدولة السورية وشعبها وجيشها وسط تأييد ودعم روسي كامل.
وكان من نتاج ذلك، تغيير الاستراتيجية الأمريكية تفاديًا لمواجهة كبيرة بين الجيش السوري والتركي، قد يكون لها تداعيات خارج السيطرة، فتدخلت أمريكا للضغط على أردوغان، لتوقيف العمليات العسكرية لحين إشعار آخر. وكاد أن يستمر أردوغان في عدوانه، لولا الضغط الأمريكي الذي وصل إلى التهديد بفرض عقوبات وحصار أمريكي ضد تركيا، إلى الحد الذي ذهب نائب الرئيس الأمريكي (بنس)، ووزير خارجية أمريكا (بومبيو)، إلى تركيا لفرض الإرادة الأمريكية على أردوغان وإجباره على التوقف عن العمليات العسكرية. وحدث ما أراده ترامب بوقف العدوان التركي على سوريا بحجة أخرى للحفاظ على أكراد سوريا!! وهنا يظهر التساؤل: لماذا انسحبت أمريكا من الأراضي السورية، ثم مطالبتها تركيا بالعدوان على سوريا، ثم ممارسة الضغوط الأمريكية لإجبار أردوغان للتوقف عن العدوان عند هذه اللحظة بعد أن استمر نحو (10) أيام؟!
وفي تقديري أن الغباء الأمريكي المعتاد والعنجهية التركية العثمانية المعتادة، قاد إلى انتصار سوري جديد وتأكيدًا للدعم والنفوذ الروسي على حساب الأمريكان والأتراك. وتأكد أن سوريا تنتصر كل يوم.. وينتصر معها محور المقاومة في مواجهة محور الاستسلام والانبطاح للمشروع الأمريكي الصهيوني. وليدرك الجميع، أن أمريكا ومشروعها في انسحاب مستمر وتراجع سريع لنفوذها العالمي وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
د. جمال زهـران
القاهرة في: 20/10/2019م