لبنان على قارعة السقوط في الفراغ… وماذا بعد!
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
عشرون يوماً على حراك “الواتس آب” غيّرت الكثير في لبنان، وترسم ملامح مستقبل قريب غير مريح، وإن كانت علامات ما بعد القريب تؤشر إلى احتمالاتٍ إيجابيةٍ، وعلى المدى الطويل تصبح الصورة أكثر وضوحاً ونضجاً.
عشرون يوماً من أثمن أيام لبنان في مئويته الأولى تصيغ صورة مئويته الثانية وأبعد.
بدأ الحراك عفوياً بنتيجة ما قرّرته الحكومة مجتمعةً من فرض ضريبة غريبة وغير قانونية ولا جائزة، طالت آخر وسيلة تسلية وتنفيس احتقانات وإشغال اللبنانيين لوقتهم وهم على الأرائك يتداولون في شؤون الكون ويغيّرونها ويفرضون مشيئتهم في العالم الافتراضي فرحين، برغم حجم مأساتهم التي وصلت إلى حدٍّ لا يمكن أن يعيشه شعب مظلوم منهك ومستلب الإرادة ومجرّد من أبسط الحقوق الإنسانية والاجتماعية.
في الأيام الأولى نزلت كلّ فئات الشعب اللبناني وكان الطابع الاجتماعي طاغياً فارتسمت ملامح وحدة وطنية تجاوز الحزبية والطائفية والمذهبية والزعاماتية بكلّ تجليّاتها من الفرح والرقص إلى الهتافات وتنوّع الأزياء واختلاف الوجوه، وفي غالب المحتشدين من العائلات الكاملة والطابع الشابّ البارز.
ثم خرجت من الحراك كتلة شعبية واسعة خوفاً من الفتنة التي كانت تدار في الغرف السوداء، وانحسرت على مناطقها تراقب الشاشات وتتداول في أمورها على “الواتس آب” نفسه الذي أسقط افتراء الضريبة عليه.
ولحظة أنجز الحراك أحد أهمّ شعاراته باستقالة الحكومة تشققت الصفوف ودخل الميادين والشوارع فيروس الطائفية والحزبية والمناطقية، وتحول جزء هام من إدارة الحراك واغتصاب إعلان خطواته الى قيادة الاحزاب والجماعات ذاتها التي تسببت في ابتلاءات الشعب اللبناني على مدى ثلاثين سنة، وظهرت عوارض مصادرته بفرض أجندات غير التي حرّكت الشارع ووحدته، وبدأت عملية حشد الشوارع بعضها ضدّ بعض، وكذلك الميليشيات على الحواجز وفي الاعتداءات على المواطنين والمارّة على الطرقات العامة التي أقفلت بقرار من أحزاب وزعامات بهدف الضغط على الطبقة السياسية لإعادة إنتاج حكومة من ذات أشكال وتفاهمات الحكومات السابقة وعلى ذات النهج الاقتصادي والاجتماعي.
وفي اليوم العشرين، حيث فتحت المؤسسة العسكرية الطرقات بالقوة، وبعد أن ضاق الشعب وغالبيته الثائرة من القطع والتصرفات المشينة ولم تنجح الوساطات والمفاوضات بين أركان الطبقة السياسية ذاتها التي كانت السبب والحافز على الحراك، الذي وضع لبنان على حافة الخيارات الخطرة وهي:
1- تشكيل حكومة على ذات نسق السوابق وبرئاسة الحريري، “أخطرها حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري” ولذات الأهداف التي دمّرت لبنان وجزّأته وأنهكته ونهبته. وهذه إن حصلت ستؤدي إلى بيع ما بقي من قطاع عام وأملاك دولة هي أملاكٌ ورصيدٌ أخيرٌ للشعب اللبناني، ثم يحصل الانهيار الشامل.
2- حكومةٌ على مطالب “القوات” اللبنانية والكتائب وغيرها، تسقط توازنات المجلس النيابي وتعزل حزب الله وحلفه، ستكون بمثابة انقلاب في غير أوانه وليس له من شروطٍ تحميه سوى المؤامرة الأمريكية، وعندها فالانفجار أوسع، وستعود واحدة من أهم كتل المجتمع اللبناني المؤمن بالثلاثية الذهبية (الجيش والشعب والمقاومة) وتملأ هي الميادين وتفرض التغيير.
3- حكومة بلا فريق 14 آذار تضعنا أمام احتمال الانهيار المالي، فالمصارف والدائنون والمموّلون جاهزون لجعل الانهيار المالي والاقتصادي مدوّياً لإسقاط حكومة “حزب الله” كما سيصفونها.
4- الفراغ المديد “حكومة تصريف الأعمال”، وسيضع البلاد أمام خطر استمرار الشارع وتطور أدائه وبلوغه مرحلة العصيان المدني، والتوقف عن الأعمال وعن تمويل الدولة عبر الضرائب؛ ما يجعل العجز فاضحاً في الموازنة والتمويل وتقع الاختناقات الاقتصادية والخدماتية مع تمنّع المصارف عن تمويل المستوردات، فيما المخازن شبه فارغة من الطحين والنفط والدواء والأساسيات من الحاجيات. وسيحصل الانهيار المالي بسبب نفاذ قدرة المصرف المركزي بعد أن جرى تهريب مليارات الدولارات من محفظته ومحافظ المصارف “لكبار الفاسدين والناهبين” خلال الأيام العشرين على الإقفال إضافة إلى ما قبلها.
باختصار، الأيام والأسابيع القادمة يبدو أنّها ستحمل محاولات البعض لجعلها أياماً سوداء مع مزيدٍ من الضغوط والارتدادات وتعميق الأزمة وحالة الفراغ في الحكومة وسقوط تسويات الطبقة السياسية، وصولاً إلى حالة الفوضى…
ويطرح السؤال من يرث حالة الفراغ وكيف تدار وهل تحمل مخاطر أمنية وعسكرية تهدد الاستقرار وتفرض معادلات جديدة…؟
لبنان في دائرة الخطر، وعلى القوى السياسية والمؤسسة العسكرية تحمل مسؤولياتها التاريخية، ولا بدّ من حراكٍ من نوعٍ مختلفٍ في قواه وشعاراته وأهدافه وعناوينه وهتافات المنتفضين المؤمنين بتحقيق الأهداف الإصلاحية التي ناشدوا فيها في أيام الحراك الأولى ممهورةً بالثلاثية الذهبية (الجيش والشعب والمقاومة) والتي تشكل خارطة الطريق نحو بر الأمان.