العلاقات المصرية السورية.. تتقدم..
د. جمال زهران
نحن لسنا في حاجة للتأكيد على أهمية العلاقات بين القطرين العروبيين، مصر وسوريا. فهما الومضة الوحيدة في سماء الوحدة العربية وتجسيدًا لإرادة القومية العربية في واقع حي، حينما ذهبا معًا بإرادة شعبيهما العربي، إلى أول تجربة وحدوية اندماجية عربية، وتكونت الجمهورية العربية الواحدة، بإقليمها الشمالي (سوريا)، وإقليمها الجنوبي (مصر). وتلك هي سوريا الشام التي قال عنها الزعيم جمال عبد الناصر، أنها قلب العروبة النابض، ومن جانبي أضيف أنها ستظل هكذا للأبد. ولذلك فكثيرًا ما كتبت في هذا المكان عن ضرورات إعادة أو استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر وسوريا، بل وحتميتها، وأن ذلك شيء هام وضروري في استعادة الإقليم العربي لتوازنه الاستراتيجي، وفي مواجهة المشروع التفتيتي الصهيو/أمريكي الاستعماري.
وقد لاحظت تطورًا مهمًا في العلاقات بين الدولتين، على خلفية العدوان التركي على الأراضي السورية منذ عدة أسابيع، حيث انتفضت مصر على مستوى الخطاب السياسي وفي الواقع العملي يستحق الرصد والمتابعة والبناء عليه.
فعلى مستوى الخطاب السياسي، نجد الرئيس عبد الفتاح السيسي (رئيس مصر)، يصرح ويعلن موقف مصر الرسمي فور العدوان التركي بالقول: “مصر ترفض العدوان التركي الذي يهدد وحدة سوريا ويتنافى مع الشرعية الدولية”، بل وحذر الرئيس من تداعياته السلبية على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، وعلى مسار العملية السياسية في سوريا، وكذلك على الاستقرار والأمن في المنطقة بأسرها” (الأهرام – 11 أكتوبر 2019م).
كما أن رئيس وزراء مصر (د. مصطفى مدبولي)، يصرح في نيويورك، عقب لقائه بنائب الرئيس الأمريكي، بالقول: “أن مصر ترفض أي انتهاك للأراضي السورية) وتدين العدوان التركي على سوريا”.
ومن ثم فإن الخطاب السياسي لمصر يرفض العدوان، ويحذر من تداعياته السلبية، ويؤكد على وحدة الأراضي السورية، وضرورة التسوية السلمية النهائية للأزمة السورية.
أما على المستوى الفعلي، فقد لاحظنا أن رئيس مجلس الشعب المصري (د. علي عبد العال)، يوم 21-أكتوبر- 2019م، يدعو السفير السوري في القاهرة (د. بسام درويش)، لحضور جلسة لجنة الشئون العربية للمشاركة في مناقشة العدوان التركي على سوريا، ثم دعوته للمشاركة في الجلسة العامة. وجلس السفير السوري في الشرفة، وفوجئ باستقبال رائع من أعضاء البرلمان الذين صفقوا له وحيوه وقوفًا، ووقف السفير السوري سعيدًا بهذا الاستقبال الحار الذي يعبر عن عمق العلاقات وتجذيرها إذا ما قورنت بعلاقات أي من الدولتين بالدول العربية الأخرى أو غيرها. فضلاً عن ترحيب رئيس المجلس بالسفير السوري والوفد السوري المرافق له، الجالس في شرفة البرلمان.
وقد أحدثت هذه الدعوة البرلمانية وهذا الاستقبال الحافل بالسفير السوري، ارتياحًا كبيرًا في الأوساط السورية، بل ولدى الشعب السوري وكذلك الرئاسة السورية، حيث وصلتني شخصيًا ومباشرة ردود الفعل الإيجابية لهذا المشهد، وعلى كافة الأصعدة، الأمر الذي دفعني للكتابة.
وأرى أن ذلك الموقف المصري الرسمي، هو تطور إيجابي سواءً على مستوى الخطاب السياسي، أو على مستوى الواقع العملي، وهو الأمر الذي يحتاج إلى البناء عليه، بتكثيف الاتصالات الرسمية وتبادل الزيارات البرلمانية والشعبية، وفتح كل ما هو مغلق في هذا الملف حرصًا على المصلحة العامة للشعبين، وضرورات الأمن القومي العربي والمصري والسوري.
وفي هذا السياق، أشهد أن الدولة المصرية والأجهزة الأمنية، لم تمانع أبدًا في ممارسة أي نشاط داعم لسوريا والسوريين في مصر، وسمحت لنا بالتظاهر أكثر من مرة في الشارع أمام السفارة السورية في جاردن سيتي، ووقف معنا السفير السوري السابق (د. رياض السنيح)، والحالي (د. بسام درويش)، ورفعنا الأعلام المصرية والسورية معًا، وهتفنا لصالح الشعبين وغطى الأالام هذه التظاهرات والوقفات الشعبية وفي مناسبات مختلفة، الأمر الذي يؤكد تضامن الدولة المصرية مع سوريا، شعبًا ونظامًا. كما أنني أشهد وقد شكلنا وشاركنا في عدة وفود شعبية لزيارة سوريا الشقيقة، ومقابلة كبار رجال الدولة هناك، أننا لم نجد إلا التشجيع والتيسير وتقديم كافة التسهيلات الأمنية ابتداءً من داخل الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية، وكذلك في المطارات ذهابًا وعودة.
كما نشهد بتنظيم العديد من الندوات في القاهرة لدعم سوريا وبحضور الحشود من المصريين والسوريين، ولم نجد أي عائق على الإطلاق بل وجدنا التشجيع والدعم والمؤازرة. وتلك هي حقائق لابد من تسجيلها في سجل التاريخ المضيئ للدولتين المصرية والسورية وهما شعب واحد في دولتين عروبتين بلا جدال.
كما أن الشعب المصري يحتفي بأشقائه السوريين، ووجدنا الشعب المصري يبادر بوأد الفتنة، وتجاوز هذه الواقعة ليتأكد ذلك التضامن الشعبي المصري، لتأييد العدوان التركي على سوريا وتوجيه “الشتائم” لسوريا، فناهيك عن الرفض المطلق للشتائم والضرب من بعض أفراد الشعب المصري الذين حاولوا إغراءهم!!
ختامًا:، أوجه رسالتي إلى الرئيس المصري والبرلمان المصري، بضرورة استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الدولتين، ففي ذلك الخير للشعبين والدولتين وأمنهما القومي، وليزعل من يزعل، واللي مش عاجبه يتفلق.
د. جمال زهـران