نائب سابق لمدير “سي آي إيه”: السياسة الخارجية الأميركية تعاني من التخبط
تتطلب عملية تشكيل السياسة الخارجية وتنفيذها ثبات القيادة والممارسة في مجلس الأمن القومي، الذي تغير قائده أربع مرات خلال ثلاث سنوات.
ثمة انقلاب على الممارسة الأميركية التقليدية و”تأسيس” سياسة خارجية أخرى.
كتب جون مكلوغلين، النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مقالة في موقع “OZY” الأميركي عن تخبط السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
ورأى الكاتب أن السياسة الخارجية الأميركية قد دخلت في نفق محيّر وخطير كنتيجة لسوء الإدارة والتخبط والاضطرابات السياسية في واشنطن ووزارة الخارجية التي تعاني من نقص الموظفين والإرباك. في مسألة تلو الأخرى، من المستحيل العثور على استراتيجية متماسكة أو هدف قابل للتحقيق. هذا ليس مجرد أمر محرج ومأساوي بالنسبة للولايات المتحدة ولكنه أيضاً ضار للعالم لأن ما تفعله الولايات المتحدة – سواء نجحت أو فشلت – يؤثر على الجميع.
وتابع الكاتب: “لكي نكون منصفين، هناك دائماً جزء من السياسة الخارجية للولايات المتحدة يعاني من اضطراب أو قصور عن تحقيق هدفها – حتى في أفضل الأوقات. ما هو فريد اليوم هو أن كل شيء تقريباً يبدو معطلاً أو فاشلاً أو خارج التركيز. لا أستطيع أن أتذكر مجموعة مماثلة من الظروف مثل هذا في أكثر من 40 سنة من المشاركة المهنية مع الأمن القومي”.
وقال الكاتب إن نظرة سريعة حول العالم، تشير إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد انسحب العام الماضي من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تفاوض عليه الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران، قائلاً إن الاتفاق كان متساهلاً للغاية وأنه يريد اتفاقاً أكثر صرامة. إن العقوبات الأميركية تسبب ألماً متزايداً لإيران، لكنها ألغت المطالب العشرة التي طرحها وزير الخارجية مايك بومبيو العام الماضي. ثم جرّت ترامب إلى لعبة دجاج قامت طهران خلالها بإلغاء تدريجي لجوانب امتثالها الموثق بالاتفاق، قائلة إنها ستزيد من قدرتها على التخصيب في منشأة ناتانز وستستأنف عملها في مصنع فوردو تحت الأرض. هذه خطوات قابلة للتراجع، ولكن مع عدم وجود إستراتيجية أميركية غير العقوبات، فإن إيران ستستمر في الاتجاه نحو “الانتهاك” النووي – بالضبط ما أوقفه اتفاق عام 2015.
في كوريا الشمالية، يبدو أن “التفاؤل” الظاهر بين ترامب وكيم جونغ أون لم يصل إلى أي مكان. تختبر كوريا الشمالية مرة أخرى صواريخ قصيرة المدى ورفضت الأسبوع الماضي مقترحات أميركية لاستئناف المحادثات في كانون الأول / ديسمبر المقبل. هذا الأسبوع، ألغت واشنطن وسيول التدريبات العسكرية مرة أخرى في محاولة لجذب الشمال إلى طاولة المفاوضات. جاءت أحدث إشارةة إلى أنه لا يتم اللجوء إلى الشمال بسهولة يوم الاثنين، عندما طالب مسؤول في وزارة الخارجية الكورية الشمالية بالمزيد من التنازلات الأميركية وقال إنه لن يعطي اجتماعات ترامب “لمجرد أن يتفاخر بها”.
وأضاف الكاتب أنه قبل عام في سوريا، قام أحد أفضل الدبلوماسيين الأميركيين ، وهو السفير جيم جيفري، بوضع ثلاثة أهداف جديرة هي: هزيمة تنظيم داعش، وتحقيق تسوية سياسية، وإخراج إيران من البلاد. لكن ترامب أضعفه باستمرار، من خلال سياسة عشوائية بشكل مثير للدهشة وهي التأرجح بين القول بأن الولايات المتحدة تغادر سوريا والقول إننا سنحتفظ بعدد صغير من القوات لتأمين موارد النفط الثانوية في سوريا (لدى المملكة العربية السعودية 100 ضعف من حجم النفط السوري).
في هذه الأثناء، تشغل القوات الروسية قاعدة أميركية سابقة في سوريا، يقول عسكريون أميركيون هناك لمراسل شبكة “إن بي سي” الأميركية إنهم “يشعرون بالخجل والغموض” بسبب ما يحدث، وأصبحت موسكو الوسيط الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط. لقد كانت سوريا مأساة قبل ترامب، لكن أخطاءه جعلتها أسوأ وأدت إلى تدمير النفوذ الأميركي.
وتابع الكاتب أنه في جوار سوريا، لم تكشف إدارة ترامب بعد عن خطة السلام الإسرائيلية-الفلسطينية الموعودة منذ فترة طويلة. فقط كشف كبير المفاوضين جاريد كوشنير عن مقترحات اقتصادية ولكن من المرجح أن تولد ميتة لأسباب كثيرة، من بينها: الغضب الفلسطيني من قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وعدم رغبة العرب الآخرين في المصادقة بدون وضوح على قيام الدولة الفلسطينية، وكل ذلك يتفاقم بسبب الاضطرابات المستمرة، ناهيك عن إعلان البيت الأبيض الأخير أنه لم يعد يرى المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي. ومما يدعو للدهشة، حتى أكبر مسؤول في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية (ديفيد شينكر) قد أخبر الكونغرس قبل أسبوعين أنه لا يعرف ما هو مدرج في خطة السلام تلك.
أما في أفغانستان، فبعد عام من العمل الشاق الذي قام به مفاوض ترامب، السفير زلماي خليل زاد، تم تعطيله بسبب دعوة ترامب سيئة السمعة التي قدمها إلى حركة طالبان للحضور إلى كامب ديفيد في أيلول / سبتمبر الماضي وتغريدته اللاحقة التي أعلن فيها أن المحادثات “ميتة”. ليس واضحاً بعد إذا كان يمكن أن يؤدي تبادل الأسرى بالأمس إلى استئناف المحادثات أو ما إذا كان المفاوضون سيستأنفونها أو يجب أن يبدأوا من الصفر.
في أماكن أخرى، لا تزال الهند وباكستان المسلحتان بالأسلحة النووية على خلاف حول ولاية كشمير المتنازع عليها، لكن الولايات المتحدة فقدت دور الوسيط النزيه، ورفضت الهند هذا الصيف تحديداً دور ترامب.
في فنزويلا، لم يتوقف الجيش بعد عن دعم نظام نيكولاس مادورو على الرغم من العقوبات الأميركية الشديدة وشعبية زعيم المعارضة خوان غايدو.
مع الصين، تحدى ترامب بطريقة محقة الممارسات التجارية، لكنه تعثر في حرب التعريفات التي كلفت المستهلكين والشركات الأميركية 37 مليار دولار منذ أيار / مايو 2019. وبالطبع، فإن السياسة تجاه أوكرانيا وروسيا هي تشوش كامل لأنها تندرج في نسيج الجدال المستمر حول عزل ترامب في واشنطن.
ويرى الكاتب أن التفسير الأكثر تلطيفاً هو أن هذا ناتج عن الانقلاب المتعمد على الممارسة الأميركية التقليدية وعلى مؤسسة سياسة واشنطن الخارجية لصالح بديل شرعي. يُعد شعار ترامب “أميركا أولاً” أقرب المرشحين كي يكون بديلاً، لكن حتى الآن لا يزال محتواه فارغاً.
وخلص الكاتب أنه لا شك أن المحترفين المتفانين في وكالات الإدارة المختلفة يعملون بجد لتحقيق نتائج في مصلحة أميركا، لكنهم يفتقرون إلى عنصرين أساسيين: القيادة ومسار العملية. لأن الجميع يأخذون زمام المبادرة من البيت الأبيض، لا يمكن أن يكون هناك دافع ثابت نحو الأهداف عندما يتصرف الرئيس على تغيير الدوافع. وتتطلب عملية تشكيل السياسة الخارجية وتنفيذها ثبات القيادة والممارسة في مجلس الأمن القومي، الذي مر عليه أربعة قادة منذ ثلاث سنوات (إلى جانب ثلاثة مدراء لموظفي البيت الأبيض).
وأوضح أنه على الرغم من أن رغبة الإدارة في كثير من الأحيان واضحة بما فيه الكفاية، مثل الوصول إلى “إيران حميدة، كوريا الشمالية بلا أسلحة نووية، السلام في الشرق الأوسط، الصين المطيعة للقواعد، لكن ما هو مفقود هو وجود خطة واضحة لتحقيق ذلك”.
وختم الكاتب قائلاً إن “السياسة الخارجية الناجحة هي نتيجة عمل شاق حقاً أي جهد مستنير ومستدام ينظم جميع أدوات فن الحكم الأميركي نحو هدف محدد جيداً. فالسياسة الخارجية ليست مجرد تمني الأفضل”.
*جون مكلوغلين هو نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز.
ترجمة: هيثم مزاحم – الميادين نت