معالي الوزير د. عصام نعمان وسعادة النائب الحاج حسن حب الله يناقشان الاستثمار الأمريكي في الحراك الشعبي والاعتداءات الإسرائيلية وآفاق دور محور المقاومة
عقد التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة لقاءً سياسياً بعنوان: “ماذا بعد الاستثمار الأمريكي في الحراك الشعبي والاعتداءات الإسرائيلية؟ محور المقاومة اين وكيف سيرد”… حيث استضاف معالي الوزير السابق الدكتور عصام نعمان – منسق الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي، والنائب السابق الحاج حسن حب الله مسؤول العلاقات الفلسطينية في حزب الله، بحضور شخصيات وفعاليات أكاديمية وسياسية وثقافية عربية وإسلامية.
استهل اللقاء الدكتور يحيى غدار أمين عام التجمع بالوقوف دقيقة صمت حدادا على أرواح شهيدي لبنان (شلهوب والجندي) والشهيد الأسير سامي أبو دياك الذي استشهد في المعتقلات الصهيونية بعد معاناة طويلة من المرض والتعذيب وكل شهداء الأمة… لافتا الى ان لقاءنا اليوم يأتي بالتزامن مع يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، موجها تحية إجلال واكبار لهذا الشعب الصامد الصابر الأبي، مكبرا تضحياته ومعاناته وجهاده في سبيل انتزاع حقوقه، ومؤكدا على أن فلسطين كانت وستبقى القضية الام التي يتوحد حولها كل المناضلين والاحرار والشرفاء في العالم.
وأشار د. غدار الى أن التحدي الأكبر اليوم يكمن في إسقاط التدخلات الأمريكية والصهيونية والرجعية العربية وإفشالها واستعادة الحراك الوطني الداعي الى دولة القانون والسيادة والمؤسسات، داعيا الى حشد كافة الجهود لهذا الغرض.
كما أكد أن من غير الممكن أن يكون الحراك وطنيا حقيقيا إلا إذا تبنى الثلاثية الذهبية (الجيش – الشعب – المقاومة)، معربا عن قناعته بوجوب الحفاظ على المؤسسات وهيكلية الدولة الحالية في الوقت الراهن بانتظار المخاض الذي يعيشه لبنان وصولا الى بناء الجمهورية الجديدة.
ولفت غدار الى أن الخطر الأكبر اليوم هو إعادة سعد الحريري الى الحكومة في ظل محاولاته العودة بصلاحيات “ملكية”، وبالأخص كونه يتعامل بشكل صلف مع المرحلة الخطيرة التي تمر بها البلاد غير آبه بمصلحة لبنان وشعبه ومستقبله، دون أن ننسى أن الحريرية السياسية والفساد الذي رافقها هي من أوصلت البلد الى حافة الانهيار.
وأكد الدكتور غدار أنه ينبغي أن تكون الحكومة المقبلة حكومة تكنو سياسية مقبولة من جانب الحراك الشعبي وقادرة على النهوض بالبلد، دون التنازل عن الحراك ومطالبه الاقتصادية والاجتماعية، معرباً عن إيمانه وثقته بقيادة حزب الله وكيفية إدارة ملف الأزمة مع التأكيد على ضرورة عدم الاستسلام للفاسدين والمتأمركين في ظل هذه المرحلة المصيرية. وأعلن أنّ من الواجب أن ننتفض وأن نكون بموقع الهجوم وألا نقبل البقاء في موقع دفاعي… وأن يتحمل كل إنسان مسؤوليته الوطنية “وأن يدخل في كل حساب أو أن يسقط من كل حساب”…
من جانبه، أكد معالي الدكتور عصام نعمان أننا نعيش حربا ناعمة على المستويين الإقليمي والمحلي، وطرفا الحرب هما الولايات المتحدة ومن ورائها الكيان الصهيوني من جهة، ومحور المقاومة دولا وفصائل من جهة أخرى.
وأشار إلى أنّ الحرب الناعمة بالنسبة لأمريكا تعني عقوباتٍ وحصاراً وفتناً متنقلة مدفوعةً بفصول من العنف الأهلي، حيث توصلت الإدارات الامريكية المتعاقبة الى قناعة تامة بأنها لم تحقق الجدوى المطلوبة من الحروب العسكرية المتعاقبة حول العالم وخصوصا في الشرق الأوسط الأمر الذي لخّصه ترامب بقوله إنّ الولايات المتحدة صرفت ما يزيد عن 7 تريليون دولار على حروب لم تستفد منها شيئا في الشرق الأوسط.
وقال: “اليوم، الولايات المتحدة و”إسرائيل” تستهدفان إيران التي استطاعت إرساء قواعد نظام سياسي متكامل معادٍ للاستكبار، كما استطاعت ان تقطع شوطا في البناء الاقتصادي والعسكري والنووي لأغراض سلمية دون الوصول الى السلاح النووي بناء على فتوى الامام الخميني والامام الخامنئي اللذين حرما استعمال السلاح النووي شرعاً.
وأضاف الوزير نعمان: “ترامب، انسحب من الاتفاق النووي ليعود الى حالة الحرب الناعمة ضد إيران، وتشدّد في ذلك. والأزمات والحروب والصدامات التي تعصف بالمنطقة ناجمة عن شعور إدارة ترامب أنه أخفق في حربه الاقتصادية التي شنها أسلافه منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وما حدث في إيران بعد زيادة أسعار البنزين يؤكد دخول الأمريكان على الخط من خلال أزلامهم في محاولة لتغيير الحكومة، الأمر الذي كان عصيّاً على التحقيق ومني بفشل ذريع كشف أكثرية المتآمرين على الشرعية. وتأكيدا على دعم الشعب الإيراني لحكومته تظاهر في كل المدن والمناطق لتبيان ميزان القوى الحقيقي الذي اظهر ان الأكثرية الساحقة من الشعب الإيراني تدعم الحكومة الشرعية ونهجها وهم ضدّ محاولات إثارة الشغب”.
وأشار الى ان الشعب العراقي محق في ثورته على الفساد، إلّا أنّ أمريكا وأدواتها من الرجعية العربية حاولت امتطاء ظهر الحراك وتوجيهه بما يحقق مصالحها للنيل من الحكومة العراقية عقب قيامها بتطبيع العلاقات مع إيران والتعاون معها بمواجهة العدو الصهيوني وخصوصا بعد قيام الأخير بضرب قواعد عسكرية على الحدود العراقية السورية بمجرد إعلان فتح معبر البوكمال… والامر الاخر زيارة عبد المهدي الى الصين وعقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بمئات مليارات الدولارات.
وفيما يتعلق بالموقف في لبنان، أكد نعمان أنه لا يبتعد عن ذلك السيناريو، حيث ان البعض من اهل السلطة هم في واقع الأمر أعوان للولايات المتحدة ويتبعون سياساتها التي لا تصبّ في مصلحة الشعب اللبناني. ومن هنا فالحراك الذي انطلق في 17 تشرين الأول حراك محق أطلقه عدد كبير من الشعب اللبناني.
ولفت الى أن استقالة الحريري أعقبها حالة حذر شديد من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر الذين أرادوا محاولة اقناع الحريري بترؤس حكومة جديدة خوفا من مخاطر وقوع فتنة مذهبية، فيما كان أعوان أمريكا والغرب يهولون بالانهيار المالي والاقتصادي الذي بدأ فعلياً منذ أسابيع ولكنه لم يكتمل بعد، مشيرا الى ان المماطلة في مغازلة الحريري وغيره من شأنها الاسهام في استكمال حالة الانهيار الاقتصادي، فالوضع لا يحتمل الانتظار على الاطلاق.
وأشاد بموقف سماحة الشيخ نعيم قاسم الذي أعلن بالأمس أن أوان تشكيل الحكومة قد آن، ومن الضروري ان يصار الى تشكيلها بالسرعة الممكنة. معربا عن حتمية تبني كل مطالب الحراك وأن يؤتى بشخصية وطنية من خارج أهل السلطة واسناد رئاسة الحكومة اليها وتأليفها من قياديين اختصاصيين منخرطين في الشأن العام ومشهود لهم بالوطنية. ومن ثم يقف الرئيس المكلف ويعلن تبني جميع المطالب ويعمل على ترجمتها في البيان الوزاري عبر تحديد الأولويات وأولها محاربة الفساد والفاسدين وناهبي الأموال العامة كي يثبتوا للناس أنهم جادون في عملهم، والاولوية الثانية إيجاد حلول للضائقة المعيشية، وثالثا الإجابة على مطلب الشعب الذي يطالب بإسقاط النظام الطائفي من خلال قانون انتخابي عصري خارج القيد الطائفي يعتمد النسبية ولبنان دائرة واحدة وتأسيس مجلس شيوخ مهمته الحفاظ على المصالح العليا للطوائف تنفيذا للمادة 22 من الدستور، ورابعاً التمسك بالثلاثية الذهبية (الجيش – الشعب – المقاومة….
وأضاف: “في لبنان لا يمكن ان ينجح أي انقلاب عسكري، كما ان العنف مصيره ان يتحول الى حرب أهلية… فالأمر الوحيد الذي يمكن ان يؤتي ثماره هو الوفاق الوطني الشعبي الذي يستطيع الضغط على السلطة ويجبرها على تقديم التنازلات. ومن هنا ينبغي أن تتمتع الحكومة الجديدة بصلاحيات استثنائية (اصدار المراسيم الاشتراعية) وبذلك تقوم بعرض قانون انتخابي على مجلس النواب (على أساس النسبية ولبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي)، وإعطاء البرلمان مهلة شهرين لإقراره، وبحال تخلف عن ذلك يتم عرض القانون لاستفتاء شعبي وبحال حيازته أكثر من خمسين في المائة يتم إقراره.”
وأكد أن اللجوء الى الاستفتاء الشعبي هو إعمالٌ للفقرة (د) من مقدمة الدستور التي تنص على أن الشعب هو مصدر السلطات والسيادة، وعملا بنظرية الظروف الاستثنائية التي تقول انه يتوجب اتخاذ قرارات استثنائية، ومن هنا يمكن عرض قانون الانتخاب على الاستفتاء الشعبي.
وختم الوزير نعمان: “إن التمادي في الانتظار الى ما لا نهاية يؤدي الى الفتنة التي يخشى منها حزب الله أساسا، وإطالة أمد المفاوضات من شأنه إتاحة المجال أمام المصطادين في الماء العكر أن يفعلوا فعلهم الى جانب تفاقم الوضع الاقتصادي والانهيار…”
بدوره، أكد سعادة النائب السابق الحاج حسن حب الله أن أمريكا والصهيونية وأدواتها من الرجعية العربية أنشأت جبهة داخلية وصراع داخلي في العالم الإسلامي، فالشارع المقاوم أعلن دعمه العملي للقضية الفلسطينية، ونشأت قوى مواجهة كانت تعتبر المد القومي خطرا عليها، فحين رفع الرئيس عبد الناصر لواء مواجهة الصهيونية والرجعية، كان الإسلاميون يعتبرون العمل القومي من عمل الشيطان ومعاد للدين. وعندما جاء الامام الخميني وأعلن ان العرب والفرس والكرد كلهم امة إسلامية واحدة في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني والاستعمار وناهبي ثروات الشعوب والاستكبار العالمي، عمدوا الى مواجهة الثورة الإسلامية بكل الوسائل منذ قيامها وحتى اليوم… الاستعمار القديم والجديد كان يعتبر المنطقة تابعة لهم ولهم الحق في ثرواتها وقاموا بتعيين الحكام الفاسدين الناهبين لثرواتها لصالحهم.
وقال: في السبعينات، عندما شهد لبنان حركة مطلبية كبيرة ضد السلطة السياسية التي رفضت تحقيق أي من المطالب، وخصوصا انماء المناطق المحرومة وتعريب المناهج التعليمية ومواجهة البطالة وغيرها من المطالب المحقة، ولكنها انتهت الى حرب أهلية… أما اليوم، فما حصل حراك مهم جدا وعابر للطوائف وعفوي، وبدأت أولى شراراته من منطقة المشرفية في الضاحية الجنوبية ومن ثم الى طريق المطار… والجميع يؤمن بأن هنالك مطالب معيشية محقة ينبغي العمل على تحقيقها. ولكن، توافرت لدينا معلومات ومعطيات قمنا بالبناء عليها. فالمبعوثون الامريكيون الذين تتابعوا على زيارة لبنان في الآونة الأخيرة، كانوا يحملون رسالة واحدة مفادها أنّ على الحكومة اللبنانية مواجهة حزب الله، علما ان أحدهم قال لفيلتمان هل أنتم جادون في حرب إيران فأجابه بأنّ أمريكا لا تريد محاربة إيران عسكريا بل اقتصاديا وعلى اللبنانيين ممارسة دور مماثل ضد الحزب… وادّعوا مجدداً أنّ هنالك مصنعاً للصواريخ الدقيقة في إحدى المناطق اللبنانية، وهو أمرٌ غير صحيح، فلم نقبل بالتفتيش وأصرّينا على جوابنا بأنّ ليس هنالك مصنع في ذلك الموقع. وكان ذلك مؤشرا واضحا ان الأمريكي يريد اقصاء حزب الله وكسر نتائج الانتخابات النيابية، كما أنّ الحزب قام بتفويض الرئيس بري بأمر ترسيم الحدود… ومن هنا كنا قلقين من أن يتم الإمساك بالحراك وحرفه ليصبح ضد المقاومة”..
ولفت الى ان حزب الله ومنذ اليوم الأول لدخوله الى الحكومة عمل بشكل جاد لفتح ملفات الفساد، ولكن كان واضحا أنّ القضاء يتعرض لضغوط كبيرة أخّرت التحقيق في هذه الملفات.
ولفت إلى أن الحكومة هي سبيل الإنقاذ الحالي، ولا يمكن تشكيلها إلّا برئيس اسمه “الحريري” أو من يسمّيه، وأيّ شخصٍ آخر لن تكتب له الحياة إلّا ساعات، فالحريري لديه شروطٌ لا نستطيع أن نتجاوب معها على مستوى صلاحيات استثنائية تتضمن قيامه بتعيين أعضاء حكومة التكنوقراط دون الرجوع لأحد، وغيرها… ودون ذلك فالضغط مستمر والمثال على ذلك انهيار الليرة الوهمي الذي يدفع ثمنه الناس وما هو إلا وسيلة ضغط… والحقيقة فإنّ الهلع الذي انتشر يهدف إلى تحقيق مآرب سياسية كما حصل في فترة حكومة عمر كرامي حيث ما لبث سعر الصرف أن تراجع إلى النصف بمجرد الإعلان عن ترشيح رفيق الحريري لرئاسة الحكومة.
وأكد حب الله أن الحريري وتيار المستقبل اليوم امام مسؤولية وطنية تاريخية، فالأمور في غاية الدقة وتتطلب اعلى درجات الحرص والتأني في التعامل مع الظروف الراهنة. لافتا الى ان تشكيل “حكومة المواجهة” قد درس من قبل الحزب وحركة أمل والتيار الوطني الحر. إلا أن قرار الحزب تشكيل حكومة وحدة وطنية والتركيز على الحريري سببه التركيبة اللبنانية.
وبالمقابل، أشار حب اله الى أن أمريكا لن تقبل أن يتم عزل لبنان عنها ولن تسمح بالانهيار في لبنان لأنها تريد النفط ولأنها لا تريد ان تفتح الجبهة مع “إسرائيل” وسوريا، كما انها لا تريد ان تترك أي ورقة ليمسك بها الطرف الاخر…. معتبرا ان مصلحة لبنان وشعبه هي الأساس بكل قرارات الحزب في كل المراحل، ولكن، بحال لم نستطع تحقيق هذا المبتغى ننتقل للخيارات الأخرى.”
من جهته، قدم المستشار الإعلامي للتجمع د. مخايل عوض مداخلة لفت فيها إلى أننا اليوم أمام واقع جديد يتضمن حقائق مختلفة عن كل المرحلة السابقة منذ عام 1992 حتى اليوم… فالحراك بأيامه الأولى غير مسبوق في لبنان، وبالأمس، خروج أمهات عين الرمانة والشياح في مسيرة محبة ووحدة كانت ظاهرة يجب ألا يتم تجاهلها. كما أنّ هناك إفلاسا ماليا واقتصاديا في لبنان لا يمكن غض النظر عنه، فلبنان يحتاج 25 مليار دولار ليكمل عام 2020. وقد توقفت الشرايين التي كانت تضخ الدولار في الاقتصاد، والأيام المقبلة حبلى بالمخاطر في ظل تصاعد أسعار الدولار…
وبالعودة إلى الحراك، لفت عوض الى أن هناك متآمرين وإعلاما مرتبطا ويدفع له المشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي لتمرير أجندته.
وأشار الى أن سماحة السيد نصر الله في آخر خطابين قال نحن نريد حكومة سيادة وطنية، أي بلا المتآمرين التابعين للسفارات والدول، وقال بخطابه الأخير لدينا خياراتنا وهي أفضل مما كان سابقا…
فإذاً، المناورة التي يبتغي منها الفريق الاخر إطالة امد التفاوض والمسارعة بحرق الأسماء هي لأنهم يعرفون أن البلاد آيلة الى الانهيار، ومن هنا، فإن تحمّل البلد بعد وقوع الانفجار أفضل من أن يتم قبيل الانفجار والانهيار وان نتحمل تبعاتهما. مشيرا الى أن الجاري الآن إعادة صياغة الشرق العربي كجزء من إعادة صياغة المنطقة ككل وهو الأمر الجاري منذ عام 1973 حتى اليوم..
وقد ختم اللقاء بحوار مطول وعميق ومثمر بين المشاركين، وتم تقديم العديد من الاقتراحات للتداول والدراسة.