لبنان الأزمة المفتوحة؛ الجرأة والإقدام صفة ملازمة للثوريين، اما الانتظارية فهي الانتهازية بعينها
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
في الظرف “الثوري” تشتدّ الحاجة الى الفرز كما في الاحداث والحروب الكبرى، وعند بزوغ نور يبشر بجديد ينقلب على القديم المتآكل، يرتهب الكثيرون بما في ذلك من اعتادوا الدعوة للتغيير و”الثورة”، المسكونون بأفكارهم ليعيشوها ويعتاشوا على انتظار “الثورة” وظرفها، وتلك كانت الحال مع الانبياء والرسل وقبلهم الداعين الى التطوير والتحديث وجلهم إمّا عزلوا أو أعدموا أو أسكنوا دور المجانين لقرار قضاةٍ طالما بشروا بالثورات والتغيير لفظيا وكلاميا.
في الحروب الكبرى المغيرة بالأحوال كانت فئة الانتهازيين تتخذ من “التل” موقعها، تترقب جهة النصر لتلحق بها، وكذا في الأديان، بعد أن تسود، يدخلونها وحدانا وجماعات.
لبنان اليوم يعيش ظرفا “ثوريا” تامّا وكامل المواصفات، وجاءت شرارته ووقائعه مفاجئة، فعصفت بالجميع، بل أن أكثر المرتبكين هم ذاتهم دعاة “الثورة” والتغيير ومن أنفقوا جلّ حياتهم انتظارا وبحثا عن الفرصة.
بضربة واحدة نهض الشعب الذي نام طويلا على ذراع الطائفية وتعلّب بعلبها، وعلى مخدة الزعامات والولاء لها، فارتعدت فرائص القوى السائدة واستعجلت استنفار مذهبيتها ومناطقيتها وحاولت بكل الوسائل وفشلت، وهذه من أهمّ علامات الزمن الجديد.
فاستمر الحراك “الثوري” ويستمر ليس بفعل أحد ولا بفعل الوعي “الثوري” للنخبة ومبادراتها أو جرأتها ولا لأنّ امريكا تمول وتريد وتدفع، بل لان الاسباب التي توفرت للظرف “الثوري” تزداد عمقا وتزيد من اسباب الانفجار…
ومن الشروط الدالة على نضج الظرف تداعي وانهيار قدرة النظام على الاصلاح من داخله وانتفاء القدرة على إلقاء بعض الفتات للإسكات وكذلك تداعي وانهيار وحدة الطغمة الحاكمة وعجزها عن تسوياتها وتامين شروط صفقاتها وارتباكها وعجزها عن التقاط الفرصة.
وللبنان خاصيات لا بد من فهما لمعرفة اسباب إطالة المرحلة الانتقالية دون تطورات عاصفة في التغيير وتحقيق الانجازات لسبب أنّ الجيش والدولة واجهزتها ليست على طبيعة الاخريات ليكون التغيير عبرها او من خلالها وبمساندتها.
وهذا ما يفسر الجاري من ارتباكات وتوترات، اما التغير في بلدنا فمن المنطقي ان يمر بمنعرجات وبمحطات متتالية تسهم في توفير شرطه بإنضاج العناصر المطلوبة كي لا تذهب البلاد الى الفوضى والاحتراب او كما يعدنا الخبراء والنافذون الى المجاعة ….
في سياق فرض التغيير وتوفر فرصته حصلت مفاجأة لم تدرك بعد اسبابها وابعادها وما يترتب عليها من نتائج ومسارات.
الصدفة وحدها ربما فرضت نفسها ليستقر الخيار على حسان دياب لتشكيل الحكومة والمنطقي انه هو نفسه لم يكن يحلم بها ناهيك ان احدا لم يتعامل مع اسمه كمرشح وهذه بذاتها دلالة على ان الظرف “ثوري” والتغير حكمي لا مفر منه.
الرجل من خارج النص ومن خارج التشكيلة والعائلات وبيوتات النفوذ والصفقات وفي تاريخ لبنان لم يحصل كمثله إلا بناتج “ثورات” وحروب، فصعد جنبلاط والجميل بنتيجة احداث 1958 وكذا الحص وبري والقوات اللبنانية بناتج حرب اهلية طاحنة ومديدة، وحزب الله بناتج مقاومة وكلفة كبيرة، فمن اين ولماذا اتى تكليف دياب…
مؤكد انه امر غير تقليدي وله ان يهز استقرار وتوافقات الطبقة السياسية وقيم النظام ويخلخل بنيانه المتين.
رجل ساقته الصدفة او الضرورة الى التكليف بلا عائلة تقليدية ولا حزب او قبيلة وعشيرة، قبل تحدي اخر حصون المذهبية وحماتها وقبل النزال مع الحريرية، وهو مكشوف وعارٍ من أنصار الطائفية والمذهبية والزعاماتية فلا بد من الاقرار بانه من رجالات قبول التحدي وركوب المخاطر وربما من العارفين بان الزمن يصنع والقادة هم من يعرفون الجاري وما سيكون، وقرّر المحاولة.
إذاً؛ تفهم الحملة عليه شخصيا ويعرف سبب استهدافه ممن اهتزت عروشهم ومكانتهم خوفا من نفاذ فرصهم المستقبلية، وباتوا يعدون ايامهم العادية …..
اما غير المفهوم وغير المنطقي ولا المبرر هو موقف القائلين بالتغيير والاصلاح والمنتفضين وساكني الشوارع والخيم والمفعمين بالروح الثورية طلبا للتغيير، فماذا اصابهم؟ وما لهم لا يدركون الجاري فيقفون بارتباك ويعتلون التلة بانتظار لمن ستحسم المعركة ليلتحقوا به؟
الظرف “ثوريّ” والحراك يستمر وليس من قوة قادرة على مصادرة فرصته الا بالتغيير، ووحدهم “الثوريون” القابضون على ناصية الزمن ومعرفة الجاري اليوم وما سيكون غدا يتجرؤون على الخطوة التي تبدو الان مغامرة وتصبح غدا خطوة مشهودا لها بالوعي والفعل الهجومي.
للجادين فقط، لا تجعلوا انفسكم مطيّةً للانتهازيين ولا تقفوا على التلة، فالتلة اليوم هي ذاتها مهنة الاقامة في الخيم والشوارع والعطاء المجاني دون رؤية وبرنامج ودون جدية في تلقف الفرص …..
الفرص الثورية تهرب سريعا ولا تعطي الانتظاريين مكسبا او وقتا ويستثمرها الساعون لركوب الموجة لكثرتهم واحترافيتهم، اما ثوريو الميادين غير المبادرين فلن يحصدوا الا الخيبة .