الثورة اللبنانية .. تنتصر للمقاومة ..
د.جمال زهران *
تجاوز الحراك الشعبي في لبنان ال (60) يوما ، منذ اندلاع الثورة اللبنانية في 17 تشرين أول ( أكتوبر ) 2019م، التي بدأت تدخل مرحل الحسم .ولعلني راهنت علي أن استمرار الأيام العشرة الأولي متصلة ، هي البداية الحقيقية لاختبار قدرة هذا الحراك علي الاستمرار ، والاصرار حتي تحقيق الأهداف .
ولعل الحد الأقصي لهذا الحراك كان متبلوراً في شعار : كلن …يعني ..كلن “، أي أن الهدف النهائي هو اسقاط النظام الطائفي بما يعني اسقاط رموزه من نخب سياسية ، واسقاط سياسات ، واسقاط قواعد الحكم ، التي تحكمت في تسيير هذا النظام الذي آن الأوان لاسقاطه حسب التقدير الشعبي .
وكما أشرت في مقال سابق أن اجبار سعد الحريري ( رئيس الحكومة المستقيلة )، علي الاستقالة ، كانت أولي مكاسب الثورة ، كما أن الحراك الشعببي تمكن من ازاحة ماحاولت القوي المضادة للثورة إلصاق التهم يمينا أو يساراً ، به .
حتي أن قطع الطرقات كوسيلة ضغط علي النخب السياسية ، كما أعلن في البداية ، أعلن الحراك الشعبي تبرأه من هذه الوسيلة ، لأن رسالة الحراك قد وصلت ، كما أن التابعين للقوي المضادة والتي تمثلت في مثلث الشر للبنان ( جعجع وجنبلاط والحريري )، حاولوا اساءة استخدام هذه الوسيلة الرمزية لاظهار دعمهم للحراك ظاهريا ، ومحاولة اشعار الجميع بوجودهم في المشهد ، ومضايقة الناس وتعطيل مصالحهم !! فبعد مرور أكثر من ستين يوما ، بدأت تتكشف الأمور ، ويتم فرز الأطراف ومواقفهم الحقيقية .فقد سعي سعد الحريري ( رئيس الوزراء المستقيل) إلي طرح عدة أسماء تم حرقها جميعا ورفضها الحراك الشعبي ، وتظاهروا ضدهم، حتي باتت العودة إلي خيار سعد الحريري ( رئيسا للوزراء ) مرة أخري ، مطروحا
بقوة، وبالتلاعب بألفاظ ومصطلحات ، حكومة تكنوقراط ، وتكنو سياسية ، وتكنوطائفية ، ومستقلة ……الخ .
واستمر هذا الوضع الشائك ، وسط دعم مباشر وغير مباشر من قوي المقاومة التي سعت من البداية للتصرف بأقصي درجات العقلانية الخالية من العواطف أو اللعب علي الأوتار ، ودرءا للتآمر الذي يستهدفها ، إلي أن تم طرح آخر ثلاث مرشحين ، كان أبرزهم وأكثرهم تأييداً من غالبية القوي والكتل السياسية في البرلمان اللبناني ، وبجهد مكثف يرعي الصالح العام وجعله الهدف والوسيلة من جانب الرئيس ميشال عون ، هو الأستاذ الدكتور /حسان دياب .
فماذا عن هذا الرجل د. حسان دياب؟
لعل أساس الاختيار، والغالبية التي حظي بها حتي الآن ، نحو (69) من أصل (128) نائبا في البرلمان ، هو أنه شخصية مستقلة ، وغير محسوب علي أي تيار سياسي في المشهد اللبناني ، كما أنه لم ” يٌضبط ” يوما ما ، أنه كان شخصية سياسية. وكل ماشهده تاريخه أنه تولي منصب وزير التربية والتعليم العالي في حكومة الرئيس ميقاتي بعد عام 2011م، ولم تحسب عليه واقعة فساد ، أو انخرط في وقائع فساد داخل وزارته أو خارجها ، وهي شهادة له من جميع القوي السياسية الداعمة والمؤيدة له ، أو المضادة له .كما أنه أستاذ جامعي أكاديمي في الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في كلية الهندسة والعمارة ، ولديه أكثر من (130) منشور في مجلات علمية دولية ومؤتمرات ، ويبلغ من العمر ستين عاما .وتلك هي المعلومات الأساسية حول المكلف برئاسة الحكومة اللبنانية ، والمؤيد والداعم للحراك الشعبي منذ بدايته في (17) تشرين الأول (أكتوبر).
وفي كلمته بعد أن تمت تسميته كرئيس للحكومة من قبل الرئيس ميشال عون ، قال : أتوجه اليكم ك ” مستقل ” ، وداعم للحراك ، وملبيا لمطالب الشارع والثورة .
وتلك كلمات بسيطة تعبر عن بداية حقيقية ،للاستجابة للشارع وحراكه الثوري .
وأكاد أتوقع بالقبول الشعبي لهذا الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ، وهي أول حكومة بعد الحراك الشعبي . ومصدر توقعي هو ذلك الحادث في صفوف الحراك الشعبي ، مابين صمت يشير الي الموافقة ، وبين مؤيد، وهما معا.. الأغلبية ، بينما هناك أقلية رافضة تطالب بالتحرك نحو مقر إقامته لمطالبته بالاعتذار كالعادة مع المرشحين السابقين ، وهؤلاء قليلون ، ولم تتم الاستجابة الشعبية لذلك كما حدث مع السابقين أيضا . كما أن قطع الطرقات الآن يتم بايحاء من ثلاثي الشر وان كان بشكل غير مباشر ، وكذلك بشكل محدود ، وبمواجهة حاسمة من الجيش في حالة التجاوز.
وتشير الوقائع علي الأرض بأن المكلف بتشكيل الحكومة (د.حسان دياب)، يحظي بقبول غير مسبوق ، وهو أساس احتمالات نجاحه في تشكيل الحكومة بشكل متكامل يجمع بين التكنوقراط والسياسيين ، وبدرجة كبيرة ، مكونا بذلك حكومة انقاذ حقيقية، تخرج لبنان من عثراته الحالية وسياساته الرأسمالية الفاشلة ، ومحققا لعدالة اجتماعية حقيقية ، تحقق مطالب الحراك الشعبي .
وستصبح الاستجابة لمطالب الشعب والثورة ، هي المعيار لاحتمالات نجاح حكومة دياب بعد التشكيل وحلف اليمين .
وفي التقييم الأخير ، لتجربة تشكيل أول حكومة لبنانية بعد الثورة ، يتضح أن المقاومة استطاعت أن تتفادي المؤامرة التي كانت تٌرتب ضدها ، وتتفادي الفتنة التي سعت اليها قوي الشر المضادة للثورة ، للوقيعة .بين المقاومة وبين الحراك الشعبي .كما أنها سعت للتنسيق مع الحريري والسنة علي أمل الوصول لأفضل الخيارات ، إلا أن الحريري فشل في الانتصار للمقاومة ، والدليل علي ذلك عدم تأييد نواب المستقبل في البرلمان ، للمرشح الذي حظي بالغالبية وهو د.حسان دياب. الأمر الذي يعكس انتصار المقاومة ، وفشل القوي المضادة للحراك الشعبي وللمقاومة في آن واحد . لتنتصر الثورة ويتأكد.. بانتصارها للمقاومة ، ويصبح التحالف الحقيقي هو بين الحراك الشعبي وثورته وبين قوي المقاومة اللبنانية ، وفشل التدخل الأمريكي والصهيوني في الشأن اللبناني ، الذي تأكد معه وحدة جميع قواه السياسية ونضجها الوطني والقومي والعروبي .
د.جمال زهران