بين “الساحات” و”الشوارع”
أمين أبوراشد
جزئيتان من البيان الذي أصدرته كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها يوم أمس الخميس. وردت في الجزئية الأولى، المطالبة بتشكيل حكومة تضُم كفاءات ذات اختصاص وحسّ إنساني ووطني، لمعالجة الأزمات المالية والنقدية والإقتصادية، ووردت في الثانية، دعوة اللبنانيين الى توخِّي الهدوء والحكمة في الإعراب عن قناعاتهم او اعتراضاتهم، والحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي، وتجنُّب قطع الطرقات وإهانة المواطنين، لأنه من حق الناس ان تعبر عن وجهات نظرها دون ان تصادر حقوق الآخرين.
كل القوى السياسية أبدت تأييدها للحراك المطلبي المُنضبط في الساحات، وهذا الحراك قد أوصل رسالته الى المعنيين خلال الأيام الأولى ، إلى أن اعتلته قوى ذات أجندات مختلفة وغيَّرت بعض مساره، وظاهرة قطع الطرقات التي تحصل بين الحين والآخر رغم تحذيرات قيادة الجيش، قد اضرّت الحراك الحقيقي لصالح تصرفات لا مسؤولة او لصالح اجندات سياسية.
ومع دعوات البعض – لحسابات فئوية سياسية – لتحريك الشارع بهدف عرقلة تأليف الحكومة، نلمس المزيد من التهوُّر في التعاطي مع الغالبية الشعبية الرافضة للغوغائية غير المجدية في تغيير مسارات الأمور، وانغماس زاد عن حدِّه في نحر الوسائل المُجدية لتلبية مطالب الناس، والبلد على حافة الإنهيار المالي والإقتصادي، والبطالة تخطَّت المعقول، والشركات تُقفِل بالعشرات، ولا بداية للحلّ سوى بحكومة يحاولون وأدها مِن قبل أن تُولَد!
نحن لا نعترض على حركة الشارع المطلبي، لكننا بعد مرور أكثر من شهرين، لمسنا ظاهرتين خطيرتين:
– قطع الطرقات ولو لفترات بسيطة واستفزاز العابرين الذين لا يزالون يُمارسون أعمالهم ومحكومون بالوصول الى مصادر رزقهم، مما أفقد الناس صبرها وبدأت الإحتكاكات على الأرض تأخذ منحى الصدامات.
– لُغة الشتائم والسباب والتجريح، تُسعِّر نارها بعض الوسائل الإعلامية غير المسؤولة، التي باتت تحضر الى مكان الإعتصام قبل وصول المعتصمين المُفترضين، في لعبةٍ أقل ما يُقال فيها أنها فِعلٌ مُتعمَّد لإبقاء جذوة الفتنة مُلتهِبة.
لا حاجة للدخول في موضوع المشاورات التي يُجريها الرئيس المُكلَّف الدكتور حسان دياب مع مختلف الأطراف لإخراج التركيبة الحكومية والاسماء الوزارية، لكن يمكن القول ان الإختصاص مع حسّ إنساني ووطني متوفِّر لدى الكثير من الكفاءات اللبنانية سواء كان لديها إنتماء سياسي وحزبي أو كانت مُستقلة، والشعب اللبناني يبحث عن المِيزات الأخلاقية والقدرات العلمية والعملية في شخصية الوزير بمُعزلٍ عن أي شيء آخر، وكفى البعض حذف الحراك المطلبي المشروع وسحبه من الساحات الى لعبة الشوارع.
ويبقى التعويل على الهدوء الرصين لرئيس الحكومة المُكلَّف والنأي بنفسه عن السجالات العقيمة، وعلى حكمة القيادات والقوى السياسية الحريصة على الوطن، عسى ان يُترَك أمر مُعالجة الأزمات لمَن لديهم الحسّ الإنساني والوطني، ونحن واثقون من وعي الشعب اللبناني في مواجهة من فقدوا الوعي بالحدّ الأدنى من مقومات مواجهة الأزمة..
المصدر: موقع المنار