جمعيةُ المصارفِ اللبنانيّة أبٌ رحيم أم لصٌّ رجيم…
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
ما يعيشهُ اللبنانيّون هذهِ الأيّام مفارقةٌ رهيبة، فقد اعتادوا منذُ عقود على حياةِ بذخٍ واستعراضٍ واستهلاكٍ فاجر، وعاشوا بقاعدةِ “اصرفْ ما في الجيب يأتيكَ ما في الغيب”… وقد عزّزَ هذا النّمط الاستهلاكيّ الفاجر ما توفّرَ لهم من عروضٍ سخيّة من المصارف للإقراض وفي كثيرٍ من الأحيان بلا ضماناتٍ حقيقيّة.
انتفخت المطاعم والملاهي والأسواق والسوبرماركت بمظاهر الغلاء الفاحش، وبلغت الأكلاف أرقاماً فلكيّة، ولم يسأل أحدٌ عن الأسباب والنهايات، حتّى أنَّ السيدات من أبناء الطبقات الوسطى لم تعد تقبل أقلّ من خادمتين وسائقاً، وتتبارى مع جاراتها في استعراضِ فائض الاستهلاك ومظاهره الفاحشة، وجاراتهنَّ نساءُ الطبقات الفقيرة والموظّفين …..
كلّ شيءٍ كان يسير على طبائعه ولم يقبلْ أحدٌ تحذيرات الخبراء والرؤساء ورؤساء الطّوائف، ولا تنبّهَ أحدٌ الى المعطيات الجارية والدّالّة على قربِ الكارثة التي أطلَّتْ برأسها منذ عام ٢٠١٥ مع الهندسات الماليّة…
فجأةً، دبَّتْ النّخوة في رأسِ جمعيةِ المصارف، وقرَّرتْ أن تعيد لبنان واللبنانيّين إلى حياة الفقر والعوز والجوع، وقدّمَتْ نفسها ومصارفها كالأبِ الصّالح، فقنّنت على الموظّفين سحب رواتبهم الموطَّنة وعلى المودعين السّحب من ودائعهم، وقررت أنّها السيد المطلق فلا يجوز لمن له وديعة أو راتب أقلّ من خمسين ألف دولار أن يسحب في الشّهر أكثر من أربعمائة دولار، وهكذا حتّى من له ملايين فليس من حقِّهِ إلّا ألفي دولار، والسّحوبات هذه لا تفي بمصاريفِ الخادمة والسّائق، فمِن أين تُؤمَّن فواتير الكهرباء والماء والهواتف والتّعليم والتّأمين والطّبابة وووووو… ذلك في عُرف جمعيّة المصارف فائضُ إنفاقٍ وإنفاقٌ استهلاكيّ لا حقَّ للبنانيّين التّمتُّع به…
إذاً، تريد جمعيّة المصارف أن تعلِّم اللبنانيين حياة التّقشّف والضَّنك وتعوّدهم على الإنفاق المحسوب، وتقوم هي بتوفير قرشهم الأبيض ليومهم الأسود، هكذا تقدّم نفسها ويقدّمها المرشدون النّفسيّون والاجتماعيّون وزاعمو الخبرات والاستراتيجيّون وخبراء المال والمصارف والدُّعاة والمستشارون المدفوعة أجورُهم من الجمعيّة لتلطيف وقع الصّواعق على الرّؤوس… ولتهدئة النّفوس وتطويعها…
في حقيقة الأمور، نصّبت جمعية المصارف نفسَها الحاكم المتحكّم، ليس فقط بالسُّلطات كلّها، بل وبتقرير نمط حياة البشر ومستوى تعليمهم وتقدير حاجاتهم وكيف يجب أن يعيشوا وماذا يأكلون ومتى يسافرون وإلى أين…. وقد نصّبَتْ نفسها بطريقةٍ لصوصيّةٍ احترافيّةٍ في أخطر عملية نصبٍ لم يشهد لها تاريخ البشريّة مثيلا أو سابقة، وبرعاية وشراكة مع الأكثرية الفاسدة من الطّبقة السّياسيّة التي قبضت على أرواح النّاس باسمِ الدّين والطّائفة، وصادرت أموالَهم وودائعَهم وجهدهم وجلّ ما أنتجوه أو حصلوا عليه من تصدير أبنائِهم وأحفادهِم كسلع أوليّة للخارج ليعملوا ويحوّلوا لذويهم، فوضعت المصارف يدها على ودائعهم وتحويلاتهم ورواتبهم…
ويسأل الدّائنون للمصارف – ونسبتهم تفيض عن الستين بالمئة من اللبنانيين – عن مستقبل أرزاقهم وأملاكهم وغالبها مرهون للمصارف، كيف يحقّ للجمعيّة أنْ تقرّر تقسيط دفع الودائع وتقنينها وخفض فوائدها بينما ترفَع الفوائد على الحسابات المدينة وتلزم الدَّائنين بالتّسديد أو تصادر أملاكهم…؟
لن يختلف عاقلان في توصيف الجمعيّة وإجراءاتها، ولن يقبل عاقلٌ وصاحب بصيرة توصيفها بأنّها أبٌ رحيمٌ، والكلّ بات يراها شيطاناً رجيماً… فمتى؟ ومَنْ يحاسبها ويحرّر ودائع ورواتب اللبنانيّين ويستعيد ما نهبَته الطَّبقة الفاسدة وسيّدتها القائدة جمعيّة المصارف الحاكم الفعليّ في نظام المحاصصة والإفساد اللبنانيّ؟!…