المدّ التحرّري في المنطقة العربية.. بفعل المقاومة
د. جمال زهران
المتأمّل في ما يحدث في المنطقة العربية الآن، يلاحظ أنّ المنطقة انقسمت بين فريقين أوّلهما: فريق يشكل محوراً للمقاومة… والثاني: فريق يشكل محوراً للاستعمار والتبعية والاستسلام. وينتمي الفريق الأول إلى الأحرار والمستقلين والرافضين للتبعية والميّالين للاعتماد على النفس والذات. بينما الفريق الثاني ينتمي إلى محور الاستعمار بغطرسته وإصراره على خلق الأتباع والحفاظ عليهم ودعمهم، وإعداد أجيال توارثية لهذه الفكرة. ويبدو أنّ الصراع بين المحورين سيظلّ بعض الوقت وإلى حين، حتى تتمّ السيطرة والانتصار الحاسم لمحور المقاومة، وهو آتٍ لا ريب في ذلك، عما قريب.
فالحراك الشعبي الذي وصل إلى حدّ الثورة في لبنان، أفضي إلى تغيّرات هامة وجاري البناء عليها، إلا أنه كان داعماً لقوى المقاومة، ولم يستطع إسقاطها أو إخراجها من المشهد حسب الهوى الأميركي الصهيوني، وعملاء الداخل في لبنان. ولذلك فإنّ الصمود الثوري في لبنان، وقدرة الحكومة على الالتزام بمقرّرات الثورة وتطلعات الشعب اللبناني، وهذا لن يتأتى إلا عبر تغيير جذري في النهاية حتى لو مرّ عبر مراحل متتالية، في قواعد السياسات المتبعة التي كرّست الديون الأجنبية التي وصلت إلى أكثر من (100) مليار دولار، وكرّست فكرة الدولة الريعية غير المنتجة، وكرّست انهيار العملة، وكرّست الفساد الذي خلقته «الحريرية» طوال فترة حكمها.
لذلك فإنّ تغيير القواعد والسياسات التي من شأنها تحقيق مصالح الشعب، أي مصالح الأغلبية، واسترداد الأموال المنهوبة والمهربة، هو في صالح حركة التحرر والاستقلال الداعمة لفكرة المقاومة المعادية والمضادة للقوة الاستعمارية الغربية.
وفي العراق، فإنّ الحراك الثوري الذي وصل الى المطالبة الصريحة بإخراج القوات الأميركية من الأرض العراقية، بعد أن أصدر البرلمان العراقي قراره بأغلبية كاسحة بإنهاء الوجود العسكري والقواعد العسكرية الأميركية في الأرض العراقية، لهو فصل جديد في دعم فكرة المقاومة والتحرر والاستقلال ضدّ الاستعمار الأميركي للعراق عقب الغزو الأميركي واحتلال العراق في مارس/ أبريل 2003. ولنتذكّر أنّ أحداث الأيام الأخيرة كشفت عن معدن الشعب العراقي المقاوم ضدّ الاستعماريين. حيث دعت أميركا من خلال مسؤوليها الرسميين، الشعب العراقي إلى التظاهر في يوم جمعة للإبقاء على القوات الأميركية وقواعدها العسكرية في العراق، والسعي نحو إلغاء قرار البرلمان العراقي بطرد هذه القوات، إلا أنه وفي الموعد الذي حدّده الأميركيون، لم يلتفت إليهم أحد، باستثناء النفر القليل الذي لا يُذكر من عملاء أميركا، حتى أنّ بعضهم توارى خجلاً وخشي غضبة الشعب. إلا أنه في اليوم التالي لهذا الفشل وهذه الهزيمة الأميركية في تحريك الشارع العراقي، تمّت الدعوة من الرموز الوطنية العراقية إلى تظاهرات مليونيّة في يوم الجمعة التالية، وكان من أهمّ الشخصيات في العراق وفي الصدارة هو السيد مقتدى الصدر، الذي له من الثأر مع الأميركيين، ولنتذكر بمحاولتهم عند دخول بغداد واحتلال العراق، اعتقال هذا الشاب آنذاك والتنكيل به، لكن الشعب العراقي كان له الحاضنة الحامية له، من هؤلاء الاستعماريين، وفشلت محاولات الأميركيين في تحقيق هدفهم باعتقاله والتنكيل به.
وقد تحرّك الشعب العراقي فعلاً، وأثبت جدارته في الحرية والاستقلال والتحرّر، عندما خرج بالملايين التي وصلت في تقديرات عدة، إلى نحو عشرة ملايين من أبناء الشعب العراقي الحرّ في كلّ أنحاء العراق، ولم يكن هناك موضع قدم في كلّ أنحاء الميادين في العاصمة بغداد وكلّ ميادين العراق. وطالبت الملايين معاً في نفس واحد طوال يوم الجمعة الثانية من شهر يناير 2020، بخروج القوات الأميركية من الأراضي العراقية، وإنهاء الاحتلال الأميركي للعراق، وطالبوا بالحرية والاستقلال والتغيير، ودعم المقاومة.
كما أنّ تحركات الجيش السوري بحاضنته الشعبية وحكمة قيادته وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد، وهو يتحرك في إدلب خلال الشهر الأخير، يحرّر كلّ يوم جزءاً مهماً عزيزاً على القلب، من قبضة الإرهابيين المدعومين من تركيا وأميركا ودول الرجعية العربية، إلى حدّ المواجهات العسكرية مع تركيا التي انكشفت كلّ أوراقها، وراح ضحية ذلك ما يزيد عن (15) قتيلاً تركياً، وأضعافهم من المصابين، ليؤكد على أنّ التحرر والاستقلال، ماضيان في الطريق نحو دعم هذا الخيار في سبيل أمة عربية حرة مستقلة. وغداً ستحتفل سورية بتحرير كلّ التراب السوري من قبضة الاحتلال الأجنبي ولن يبقى محتلّ واحد أو إرهابي واحد على أرضها بإذن الله، حتى تحرير لواء الاسكندرونة من الاحتلال التركيّ، وتحرير هضبة الجولان من الاحتلال الصهيونيّ المدعوم أميركياً.
ـ أما الوضع في اليمن وليبيا، فإنّهما ماضيان في ذلك الطريق، ولهذا حديث آخر. إلا أنه يمكن القول إنّ خيار المقاومة ضدّ المشروع الصهيو/ أميركي، هو الطريق لهزيمة هذا المشروع الاستعماري، ولتنتشر رايات التحرر والاستقرار في ربوع أمتنا.
* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمّع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.