«العثمانية» وركائب الإرهاب «الإخواني»
د. عصام نعمان
لا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شغفه بتركيا العثمانية. يرنو إلى استعادة سلطانها ونفوذها، ممتطياً ركائب الإرهاب «الإخواني». يقول: «لا يجوز حصر تركيا في مساحة مقدارها 780,000 كيلومتر مربع. مصراتة (في ليبيا)، وحلب وحمص والحسكة (في سوريا) هي حالياً خارج حدودنا الفعلية؛ لكنها داخل تخومنا العاطفية، وقدراتنا المادية. نحن سنجابه كل هؤلاء الذين يحدّدون تاريخنا بالسنين التسعين الماضية فقط».
كيف تكون المجابهة، ولماذا؟
بالانتشار العسكري على رقعة جغرافية كانت تحتلها السلطنة العثمانية في غابر الأزمان. فلتركيا أردوغان اليوم؛ بل منذ سنوات، قواعد وقوات عسكرية في الصومال وقطر وسوريا والعراق وليبيا. الذريعة؟ حماية تلك البلدان الإسلامية من معتدين محليين وأجانب. الدافع؟ مطامح سياسية ومطامع اقتصادية.
المطامح ترتدي زيّاً دينياً من طراز «إخواني». المطامع تتماهى مع مصالح نفطية وتجارية، وأغراض توسعية تتخفى بمصطلح «مناطق آمنة».
لتحقيق مطامحه ومطامعه يبني أردوغان سياسته على أساس بسط سلطة تركيا على طول حدودها مع سوريا والعراق؛ بدعوى مواجهة تنظيمات مسلحة، يُصنِّف جناحها الكردي السوري في خانة «الإرهاب»، ويتطلع إلى إقامة «منطقة آمنة» في شمال سوريا، بعمق يتراوح بين 30 إلى 35 كيلومتراً مربعاً. في هذه «المنطقة الآمنة» يتطلع أردوغان، في ظنّه، إلى توضيع مليوني سوري من أصل أربعة اضطرتهم حرب السنوات الثماني إلى النزوح والمكوث في تركيا، كما تتيح له مشاركة الولايات المتحدة والأكراد التابعين لها، استغلال حقول النفط والغاز الكائنة فيها.
لا يتردد أردوغان في استخدام «هيئة تحرير الشام»؛ (جبهة النصرة سابقاً) في مواجهته للجيش السوري المتقدم؛ لتحرير محافظة إدلب من التنظيمات المسلحة. الولايات المتحدة التي كانت صنّفتها، شأن مجلس الأمن الدولي، تنظيمات إرهابية، تدعم تركيا الآن ضد سوريا في مساعيها التوسعية. وزير خارجيتها مايك بومبيو قالها جهاراً نهاراً؛ بل إن مبعوثها المختص بالشؤون السورية جايمس جيفري دعا إلى إقامة حوار مع «هيئة تحرير الشام». وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف كشف ذلك صراحة في خطابه أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف، رافضاً الدعوات إلى وقف عمليات الجيش السوري في شمال غرب سوريا؛ لأن ذلك سيكون «استسلاماً للإرهابيين».
من الممكن فهم دوافع الولايات المتحدة؛ لدعم سلوكية تركيا في سوريا؛ لكن المراقب الحصيف يجد صعوبة في فهم دوافع مساندة قطر لتركيا. هل مساندتها من قبيل ردّ الجميل؛ لقيام أردوغان بنشر قوات تركية في قطر بدعوى «حمايتها»؟ أم هي إشارة إلى تضامن قطر مع تركيا التي تشاركها التعاطف مع الفكر «الإخواني»؟
في المقابل، نجد الإمارات في موقف إيجابي مع كل من سوريا ومصر. فهي أحيت علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق، وأعادت فتح سفارتها فيها. وهي تساند القاهرة في مواجهة مطامع تركيا في نفط مصر تحديداً، التي رفضت وتصدّت لإعلان أنقرة أن حقوقها في البحر الأبيض المتوسط تمتد من شواطئ تركيا وقبرص التركية إلى شواطئ ليبيا (التي وقعّت معها اتفاقاً) مهددةً بسياستها هذه حقل «ظُهر» النفطي والغازي المصري في عمق البحر المتوسط المقابل لمدينة الإسكندرية. ولا يكتفي أردوغان بذلك؛ بل يعلن أيضاً أن تركيا لن تسحب قواتها من سوريا قبل ضمان حقوقها في البحر الأبيض المتوسط.
تركيا أردوغان العثمانية الممتطية ركائب الفكر «الإخواني» باتت خطراً ماثلاً على بلاد العرب، وأمنهم ومصالحهم الحيوية.