زمن الاشتباك المديد: صراعات المصالح والمطامح في غرب آسيا
عصام نعمان
تضجُّ منطقة غرب آسيا من الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط إلى أعالي جبال أفغانستان بدولٍ وكيانات ومحاور، تندلع بينها صراعات المصالح والمطامح، ما يؤدي إلى انغماسها جميعاً في زمن اشتباك مديد.
صراعات المصالح والمطامح دولية وإقليمية ومحلية. اقوى الصراعات الدولية بين أمريكا وروسيا. لكلٍّ منهما حلفاء ووكلاء وعملاء. يتداخل هذا الصراع مع صراعات إقليمية حامية فيتوسّلها، بمعنى يستخدم بعضها وسيلةً، ما يزيد حماوة الاشتباك وينعكس بدوره على صراعات محلية متعددة ومتكاثرة.
زمن الاشتباك في غرب آسيا مديد. لعله السمة الأبرز للقرن الحادي والعشرين. تعددية صراعاته وحماوتها وتعقيداتها تظلّل سائر الصراعات في شتى أنحاء عالمنا المعاصر.
أقوى الصراعات، بمضامينه الدولية والإقليمية والمحلية، هو الصراع العربي – الإسرائيلي. منه تتفرع صراعات أخرى، بمضامين إقليمية ومحلية، كالصراع الأمريكي ــ الإيراني، والصراع التركي ـ الكردي بجوانبه السورية والعراقية، والصراع السعودي ـ اليمني، والصراع الأمريكي ـ الإسلامي بأبعاده الأفغانية والعراقية والسورية والمصرية، والصراع على النفط والغاز الذي يشمل معظم ساحات غرب آسيا.
الصراع الإقليمي الأشد والأطول عمراً في المرحلة الراهنة هو الصراع الأمريكي ـ الإيراني، الذي تتداخل فيه صراعات أخرى وتتخلله حروب ناعمة تشوبها احياناً جوانب خشنة. في سياقه يحتدم الصراع ويتصاعد في الساحتين السورية والعراقية وهو أقوى الصراعات الفرعية وأكثرها خطورة، لكونه ينطوي على صراع ضمني وعلني بين لاعبين دوليين واقليميين بارزين: أمريكا وروسيا.
أنشط اللاعبين الإقليميين في هذه الآونة هو الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان. طموحاته جامحة، أهدافه متعددة، وتحركاته واسعة. يقول: «إن تركيا لا يجوز حصرها في مساحة مقدارها 780000 كيلومتر مربع. مصراتة وحلب وحمص والحسكة هي حالياً خارج حدودنا الفعلية، لكنها داخل تخومنا العاطفية وقدراتنا البدنية. نحن سنجابه كل هؤلاء الذين يحدّدون تاريخنا بالسنين التسعين الماضية فقط». حدود مطامح اردوغان، اذن، عثمانية ومصالحه الراهنة والمرتقبة تشمل في ظنه بلداناً عربية قريبة وبعيدة، كسوريا والعراق وليبيا. لذلك تتواجد تركيا عسكرياً في هذه البلدان والساحات، حيث يندلع اشتباك متصاعد، سياسي ـ اقتصادي وعسكري، تندرج فيه قوى عظمى كالولايات المتحدة وروسيا. ماذا يريد اردوغان في الحاضر والمستقبل المنظور؟
غايته الاولى المحافظة على وحدة تركيا السياسية والجغرافية، وبقاؤه في سدة رئاستها، ذلك يتطلّب الحؤول دون تظهير كيانٍ لأكراد تركيا في جنوبها الشرقي، واحتمال تمدده إلى شمال سوريا الشرقي، ولاسيما محافظتي الحسكة والرقة، وأجزاء من محافظة حلب، وكذلك شمال العراق (محافظات السليمانية وأربيل ودهوك).
سياسته الرامية لتحقيق أغراضه تقوم على أساس بسط سلطة تركيا على طول حدودها مع سوريا والعراق بدعوى مواجهة تنظيمات مسلحة، يصنف جناحها الكردي السوري في خانة الإرهاب، ويتطلع إلى إقامة «منطقة آمنة» في شمال سوريا بعمق يتراوح بين 30 إلى 35 كيلومتر مربع. في هذه «المنطقة الآمنة» يستطيع، في ظنه، تحقيق غرضين: توضيع نحو مليونيّ سوري من أصل ما يربو على أربعة ملايين نزحوا إلى تركيا، ومشاركة أمريكا وأكراد سوريا التابعين لها في استغلال حقول النفط والغاز الكائنة فيها. إذ تقوم دمشق بتحريك جيشها لتحرير محافظة إدلب من التنظيمات الإرهابية، وتتحضر أيضا لتحرير مناطق شرق الفرات وشمال غرب محافظة دير الزور، حيث حقول النفط والغاز، تقوم أنقرة بتحريك قواتها إلى داخل محافظة إدلب، وبتزويد التنظيمات الإرهابية بصواريخ دفاع جوي ومدافع وآليات لمقاومة الجيش السوري، كما لمجابهة سلاح الجو الروسي الذي يدعم القوات السورية المتقدّمة. هل يقع صدام عسكري روسي ـ تركي؟
أنشط اللاعبين الإقليميين حالياً هو الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان، طموحاته جامحة، أهدافه متعددة، وتحركاته واسعة
تبدو روسيا مصممة على دعم سوريا في حملتها لتحرير إدلب، وبسط سلطتها على كامل ترابها الوطني، الأمر الذي استدعى قيام طائراتها الحربية بقصف قوات تركية مؤازرة لقوات الإرهابيين، عند محاولتها السيطرة على بلدة النيرب المحاذية لطريق حلب ـ دمشق الاستراتيجية، ما أدى إلى مقتل جنود اتراك. أمريكا كانت أعلنت بلسان وزير خارجيتها مايك بومبيو، دعمها لتركيا في وجه سوريا، وكذلك فعل حلف شمال الأطلسي بوتيرة أدنى، فيما أعلنت إيران مساندتها سوريا في تحرير كامل أراضيها المحتلة وبسط سيادتها عليها. كل ذلك حمل الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل على التحسّب لتداعيات صدام تركي- روسي محتمل بدعوةٍ إلى عقد قمة بحضورهما بين رئيسيّ روسيا وتركيا بغية تطويق النزاع. ما موقف أمريكا الحقيقي في غمرة هذه الصراعات؟
قبل أن يحطّ بومبيو رحاله في الرياض بقصد دعمها ضد طهران، كان أنصار الله حلفاء إيران وسوريا اليمنيون، يمطرون منشآت شركة أرامكو السعودية في ينبع بوابل من الصواريخ والقذائف المدمرة، لن يغيب عن أذهان قادة أمريكا وتركيا و»إسرائيل» أن ما تفعله موسكو بمساندتها سوريا في وجه تركيا، وما ألحقه أنصار الله من تدمير في السعودية أخيراً، يدلاّن إلى وجود تنسيق وتصميم بين روسيا وإيران وأطراف محور المقاومة على مواجهة ما يبيّت لسوريا من طرف أعدائها، كلٌّ بما يخدم مخططاته السياسية ومصالحه الاقتصادية. خطر الصدام في معمعة صراعات المصالح والمطامع ما زال قائماً، لكن الأرجح تفادي تطوره بفضل سعي إيران إلى جمع روسيا وتركيا في قمة ثلاثية بطهران، لتدوير الزوايا وتسوية النزاع في إطار إحكام اتفاقات سوتشي وقبلها اتفاق أضنة.
غير أن زمن الاشتباك يبقى مديداً…