الرجعيّة العربيّة الصهيونيّة… وجرائمها!
د. جمال زهران *
أخيراً… قرّر الرئيس الأميركي ترامب الإعلان عن أنه سيدافع عن السعودية، في مواجهة إيران، بعد أن صدعوا رؤوسنا وأزعجوا آذاننا، بأنهم قادرون على سحق إيران! على الرغم من تورّطهم في مستنقع اليمن لخمس سنوات، وكانوا قد أوهمونا بأنّ “عاصفة الحزم”، ستنهي كلّ الأمور في أسابيع! إذن، فإنّ السعودية رأس الرجعية العربية، تقع تحت الحماية الأميركية المباشرة، بل والاحتلال الأميركي أيضاً، وهي حماية واحتلال مدفوعا الأجر مباشرة وبالمليارات من الدولارات، أيّ أنّ الأرض والموارد وسلطة الحكم تحت السيطرة الأميركية، وهو ثمن فادح للغاية، يفقد الدولة السعودية مبرّرات بل ومقوّمات وجودها!
وكذلك بقية دول الخليج العربي التي تقع تحت الحماية الأميركية أيضاً، وكلّ من يقع تحت الحماية الأجنبية وخصوصاً الأميركية، يصبح رهناً لإشاراتهم وتوجيهاتهم وأوامرهم في تنفيذ المخططات الاستعمارية بلا جدال أو نقاش. فهل نسينا من أشهر قليلة، عندما خاطب أو هدّد ترامب، حكام السعودية خصيصاً، والرسالة معمّمة لحكام الخليج، أنّ أميركا لو رفعت الحماية عنكم، لسقطت عروشكم خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر!
ولعلّ القراءة التاريخية لنشأة هذه الدول والدويلات، تكشف عن أنها تعبير عن أسر حاكمة نشأت في أحضان الاستعمار وتحت ولايته وحمايته وسيطرته.
حيث نصّب الاستعمار هذه الأسر، على رأس السلطة وحدّدوا لها الحدود، لتكون تابعة للإدارة الاستعمارية ووضعوا على الحدود بين الإمارات والممالك، مشاكل ضخمة تتفجّر بين حين وآخر.
إذن التاريخ يشهد بأنّ نشأة هذه الدول تمّت، بإرادة استعمارية، وتمّ توظيف رؤوس بعض الأسر والعائلات والقبائل، لكي يكونوا وكلاء عن الدول الاستعمارية القديمة. وفي هذا المقام كانت بريطانيا تسيطر وتحتلّ هذه المناطق، (الجزيرة العربية والممالك والإمارات الخارجية)، ثم ورثتها القوى الاستعمارية الجديدة وهي الممثلة منذ إنشاء هذه الممالك في بداية الستينيات من القرن العشرين. وسبق، أن أعلن عن نشأة السعودية نسبة إلى أسرة سعود بن عبد العزيز، في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين. أيّ أنّ المسيطر على هذه المملكة السعودية والدول الخليجية العربية، هي الولايات المتحدة الأميركية، وهي مالكة إرادة هذه الدول التابعة للمهنية الأميركية، وغير المتمتعة بالاستقلال الوطني.
والسؤال هنا: لماذا لا تتمتع هذه الدول باستقلالها الوطني؟ الإجابة بوضوح هي أنّ هذه الدول تنفذ استراتيجية المستعمر وإرادته، دون اعتراض حتى ولو بالكلمة، الأمر الذي يجعلنا ندرك ذلك التطابق بين إرادة واستراتيجية أميركا مع سلوك المملكة السعودية وتوابعها الخليجية.
فماذا تفعل هذه الدول التابعة في منطقة الخليج؟ وهل تنتمي حقيقة للمنطقة العربية؟ وهل تتصرّف تحقيقاً لأهداف عربية في الوحدة والاستقلال الوطني والتقدم إلخ…؟ أم ماذا تفعل بالموارد التي أنعم الله عليها بها؟
والواضح أنّ هذه الدول التابعة، سمّاها الزعيم جمال عبد الناصر، بأنها دول الرجعية العربية، وأنها الأخطر على المشروع القومي العروبي، فهي العقبة الحقيقية، وتتوازى مخاطرها، مع مخاطر الصهيونية ومشروعها من النيل الى الفرات، لإقامة “الوطن القومي اليهودي”، وهو في الأصل مشروع استعماري استيطاني عنصري. فعبد الناصر حدد الأعداء السياسيين في: الاستعمار، والصهيونية العالمية وكيانها الاسرائيلي، والرجعية العربية. فلماذا رأى عبد الناصر ذلك؟ الإجابة الواضحة من واقع تحليلات خطب وأحاديث عبد الناصر، أنّ هذه الرجعية تعمل في خدمة أهداف الاستعمار الغربي الذي يكيد لمشروع الوحدة العربية، ولفكرة القومية والتكامل، وتحقيقاً لذلك تمّ زرع “إسرائيل” في فلسطين لتكون الخنجر المسموم في ظهر المشروع القومي الوحدوي.
فقد تآمرت الرجعية العربية تطبيقاً للمؤامرة الاستعمارية، والصهيونية، ضدّ الثورات العربية في اليمن عند اندلاعها عام 1962، وساندتها مصر، وكذلك الثورة في العراق والشام، وتآمرت ضدّ مصر عبد الناصر، وثبت من الوثانق أنها حرّضت الاستعمار ودفعت التكاليف من أجل إنزال الهزيمة بمصر في 1967، وإسقاط عبد الناصر، فاستحقت أن يطلق عليها “الرجعية العربية الصهيونية الاستعمارية”، لأنها وضعت نفسها ومواردها في خدمة هذا المشروع الاستعماري الصهيوني. ولا يمكن نسيان تآمرها لاغتيال عبد الناصر! كما تآمرت على الثورة الإيرانية عام 1979، وشجعت العراق وموّلته للدخول في حرب ضدّ إيران، لمدة (8) سنوات (1980-1988)، لتدمير الدولتين معاً في آن واحد.
واستمرّ ذلك، إلى أن حرّضت أميركا بتشجيع صدام على الدخول إلى الكويت في آب/ أغسطس 1990، لينتهي الأمر باحتلال أميركا للعراق 2003، بمساعدة دول الرجعية العربية بقيادة السعودية! ثم كانت مرحلة الثورات العربية، على خلفية المؤامرة الأميركية تحت عنوان: “الفوضى الخلاقة” استغلالاً لأوضاع متأزّمة سياسياً واقتصادياً في عدد من البلدان العربية، حيث تمّ توظيف ما حدث للمشاركة في تدمير سورية، وإنفاق أكثر من (150) مليار دولار، لتدميرها، وكذلك العراق ولبنان، واليمن (جملة ما تمّ صرفه 200 مليون دولار يومياً طوال 5 سنوات، بإجمالي ما يقرب من تريليون دولار بخلاف ليبيا وتونس، التي استضافت رئيسها المخلوع بن علي حتى مات، على عكس إرادة شعبها الحر! والآن تقوم بالتطبيع المباشر والعلني مع الكيان الصهيوني!
خلاصة الأمر، أنّ الرجعية العربية الصهيونية الاستعمارية، أصبحت هي الخطر الأكبر على حاضر ومستقبل الوطن العربي، متحالفة مع الكيان الصهيوني، والاستعمار الأميركي، تستلزم التفكير في كيفية مواجهتها من الآن فصاعداً، ولذلك حديث آخر…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمّع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.