تداعيات استدارة أمريكا وحليفاتها مجدداً نحو المنطقة العربية
محمد شريف الجيوسي – كاتب أردني:
تزمع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بعامة ومن معهما، الاستدارة مجدداً إلى المنطقة العربية وبالتحديد إلى ساحة الصراع الرئيسة؛ فلسطين وسورية، من مظاهر ذلك؛ تصعيد العدوان على فلسطين وتشديد واشنطن الحصار على سورية ودعوة الدول المتصالحة معها للعودة عن ذلك، ورفض الاتحاد الأوروبي اجتماعاً كان مقرراً مع جامعة الدول العربية جراء عودة سورية لمقعدها في الجامعة ومشاركتها في اجتماعاتها، وبالتزامن عودة التفجيرات والأعمال الإرهابية؛ والتي لا يمكن أن تتم كما السابق دون تنسيق مشترك مع واشنطن وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني.. وأطرافٍ تابعة ذات صلة.
أما لم هذه الاستدارة مجدداً؟، بعد أن أولت أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومن يتبع، مناطق أخرى أولوية في الصراع كـ (انسحابها) من أفغانستان، بهدف توريط الصين بخاصة في صراع إثني وعقيدي طويل الأمد، وبدرجة ثانية توريط روسيا وإيران.. لكن الأطراف المقصود توريطها كانت متنبهة لذلك، فحالت دون الانشغال به، فتحولت واشنطن إلى تسعير جبهة بحر الصين الجنوبي وتايوان وخلق تحالف إقليمي معادٍ، ومرة أخرى كانت بكين أوعى من أن تفرض على نفسها قواعد الحرب الأمريكية الغربية، والانجراف في حرب تقليدية على تماس جغرافي معها، واختارت الاستمرار في حربها غير التقليدية مع الغرب على جبهات عديدة “خلف الأسوار” فازت بها جميعها، ومن أبرزها المصالحة السعودية الإيرانية، والتعامل بالعملات الوطنية على حساب الدولار.
من جهتها عملت أمريكا ومعها بريطانيا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، على تخليق ظروف الحرب الأوكرانية، وهي تعلم مسبقاً أن روسيا لن تسمح باستمرار استفزازها من خلال تنكيلها بمواطنين روس في أقاليم روسية ضُمت أساساً لأوكرانيا لاعتبارات سياسية سوفييتية كانت قائمة في حينه، فضلاً عن استخدام أوكرانيا؛ مخلب قط ضد موسكو، ما يترك قروحاً مستدامة في الجسد الروسي ما لم تعالج، ما اضطر روسيا لشن عملية عسكرية محدودة لتصويب التاريخ وتحرير مواطنيها الروس من عسف النازية والفاشية الأوكرانية.
لكن الغرب الأوروبي بقيادةٍ وتحريضٍ من واشنطن، وجدها فرصة لاستنزاف روسيا، وسط حالة من العمى السياسي الأوروبي الموغل بالكراهية والتخلف، متورطاً في سياق لا ينسجم ومصالحه سواء الراهنة أو الاستراتيجية، دفاعاً عن زعيمة الرأسمالية العالمية المتوحشة واشنطن.
ورغم الإيغال المفرط في الحرب غير الأخلاقية ضد روسيا، بدماء الأوكرانيين، والدعم غير المحدود، لم يكن ممكناً بحال إلحاق الهزيمة بروسيا، ولن يكون، بل تمكنت موسكو من تحرير ملايين الروس “الأوكران”، فضلاً عن تصويب الجغرافيا التاريخية.
وفضحت الحرب عالمياً نازية الأوكران تجاه الروس، بل ونازية الأوروبيين تجاه المدنيين الروس المواطنين في أوروبا، وحالة الفوضى تجاه الأوكرانيين أنفسهم الهاربين من الحرب في بلادهم إلى أوروبا، وبذلك تكرست أيضاً هزيمة معنوية أمريكية غربية، فضلاً عن الفشل العسكري، بل وتمكن الاقتصاد الروسي من تجاوز تداعيات الحصار والحرب الاقتصادية عليه وتحميل أوزارها لغربٍ غبيِ تابع لا يملك قراره السيادي المستقل.
أقول إن فشل أمريكا في تحقيق أهدافها العدوانية على جبهات أفغانستان ـ الصين ـ إيران ـ روسيا أوكرانيا، فضلاً عن جبهة النفط والاتفاق الروسي مع الجزائر فرض على أمريكا وحلفائها العودة إلى المنطقة العربية وفي القلب منها سورية، فصمود سورية، أعاد التوازن إلى المنطقة العربية، الذي أخل به ما يسمى الربيع الأمريكي، ونسج خيوط إعادة توازن ميزان القوى الدولي، وسقوط أحادية القطبية.
ويأمل التحالف الأمريكي الغربي؛ عبثاً، من إعادة تسعير الصراع على الأرض السورية؛ تعويض إخفاقاته على الجبهات آنفة الذكر، وتطويق المكاسب التي تحققت ضده في المنطقة العربية والتي من أهمها: تعزيز موقع روسيا والصين في المنطقة العربية، والتعامل النفطي بغير الدولار ورفض زيادة إنتاج النفط، والاتفاق السعودي الإيراني والمصالحة السعودية السورية، وعودة سورية لجامعة الدول العربية، واحتمال استقرار الأوضاع في ليبيا، وتعزيز صلات الجزائر وتونس ومصر مع سورية والاتفاق الروسي الجزائري، باعتبار أن ساحة الصراع الرئيسة راهناً وعلى مدى التاريخ إن سلباً أو إيجاباً، بلاد الشام والقلب منها سورية، وعلى أرضها تحسم الحروب النهائية.
ولا بد أن هذه الاستدارة الأمريكية البريطانية الأوروبية الغربية الإسرائيلية، ستؤدي إلى اصطفاف قوي صاعد مقابل.. يحظى بتقبل وترحيب عالمي، كما ستسرع استعادة وتحرير سورية لمجمل ما تبقى من أراضيها الواقع منها تحت سيطرة أمريكا أو عصابات قسد أو العصابات الإرهابية المدعومة سواء من قبل أمريكا أو تركيا، وهو ما نشهد مقدماته الآن.